اشار السيد علي فضل الله الى ان الحراك الشّعبيّ الَّذي غطّى مساحات واسعة من هذا البلد، هو تعبير صادق عن وجع اللبنانيين وعدم قدرتهم على تحمّل ضرائب جديدة استسهلت الدّولة فرضها عليهم من دون أن تأخذ بعين الاعتبار معاناتهم اليوميّة لتلبية أبسط احتياجاتهم من الماء والكهرباء والطّبابة والتعلّم والدّواء والسّكن، في ظلِّ عدم توفر فرص العمل، وإن توفّرت، فهي لا تكفي لتأمين عيش كريم لهم.
ولفت فضل الله خلال خطبتي صلاة الجمعة من على منبر مسجد الإمامين الحسنين(ع) في حارة حريك، الى ان هذا الحراك صرخة مدويّة في وجه القوى السّياسيّة الّتي أدمنت الفساد والهدر والصَّفقات والسمسرات والاستهتار بمقدرات الدولة والمال العام، والَّذي لم يعد خافياً على الناس، حيث تتناقله بشكل يوميّ نشرات الأخبار، ويتمّ تداوله على مواقع التواصل، والذي أوصل البلد إلى حافة الانهيار. لقد جاء الحراك الشّعبيّ ليقول لكلّ هذه القوى السياسية التي ساهمت بالفساد أو سكتت عليه: كفى، نريد وطناً تحترم فيه كرامة الناس وكفاءاتهم وإمكاناتهم، ويعمل من يحكمونهم لخدمتهم، لا لحسابهم الخاصّ ولتضخيم ثرواتهم أو لحساب جماعتهم، ممن يسبّحون ويمجّدون بحمدهم، أو لحساب مواقعهم السياسية، وإن وسَّعوا الدائرة فلحساب طوائفهم.
واعتبر انه لعلَّ أهمّ ما يميّز هذا الحراك وسرّ قوّته أنه جاء خارج الاصطفافات التي عهدناها في لبنان؛ الاصطفافات الطائفية والمذهبية والسياسية، حيث شهدنا ونشهد فيه وحدة وطنية حقيقية كنا دائماً نؤكّدها وندعو إليها ونعمل لها، بعدما مزّقت قوى المحاصصة والفساد الناس وجعلتهم طوائف ومذاهب متنازعة وأضعفتهم وشتّتت قواهم. وقد استطاع الحراك بفعل وحدته وصوابية مطالبه وابتعاده عن أي ارتهان لأيّ من القوى السياسية، أن يحدث هزّة في الواقع السياسيّ كانت السَّبب في دفع الحكومة إلى التنازل عن الضرائب التي كانت تريد فرضها على الناس، وأن يُسقط الكثير من الجدران الَّتي كانت تقف حائلاً دون أي إصلاح. وكان من نتيجته الورقة الإصلاحية، التي، وإن لم تكن بمستوى الطموحات ومطالب الناس، لكنَّها إن نفّذت أو كانت قابلة للتنفيذ، فهي تفتح الباب للإصلاح.
اضاف "لقد أكَّد هذا الحراك قدرة الشّعب، إن هو تحرك، على تحصيل حقوقه والوصول إلى مطالبه، وهو ما ينبغي أن يكون دافعاً له، ليكون ما حصل ليس هبة، بل خياراً له لمتابعة تنفيذ الوعود الإصلاحية والوصول إلى مطالبه. ونحن أمام ما يجري، نجد أنفسنا، وانطلاقاً من إيماننا وقيمنا ومبادئنا وكل التاريخ الذي نحمله وتربّينا عليه، معنيين بهذا الحراك، ننحاز إليه كما ننحاز إلى أيّ صوت يدعو إلى حفظ كرامة الإنسان ويقف في وجه الظلم والفساد ونهب المال العام. ومن هنا، فإننا وقفنا مع هذا الحراك، ودعونا الدولة إلى أن تصغي جيداً إلى هؤلاء الناس، إلى وجعهم وألمهم ومعاناتهم، وأن تبادر إلى خطوات جديّة سريعة تشعر هؤلاء الناس بأنَّ الدولة جادة في تلبية احتياجاتهم ومتطلبات عيشهم الكريم، وفي محاربة كلّ ما تعانيه من فساد، وأنها ستحاسب الفاسدين، ولن تمنحهم بعد اليوم أيّ غطاء".
ولفت الى اننا "رأينا إيجابية في الرزمة الإصلاحية التي صدرت عن الحكومة بفرض ضرائب على أرباح المصارف، واستعادة حقوق الدولة في الأملاك البحرية وقروض الإسكان، وخفض رواتب المسؤولين، وفيما ورد في خطاب رئيس الجمهورية بدعوته إلى الحوار، وإعلانه الإسراع في العمل على رفع الحصانة عن كل المسؤولين السابقين والحاليين من الرؤساء والوزراء والنواب، والمباشرة بالمحاسبة، واسترداد الأموال المنهوبة، وأن يكون ذلك من خلال عدم التدخّل في أحكام القضاء. وإننا في الوقت الذي وقفنا مع هذا الحراك، كنا ولا نزال نخاف من الشارع ومن السارقين له، وأن يؤخذ لحسابات داخلية ويوظف في إطار الصّراع الداخليّ أو لأجندات خارجية. ومن هنا، نتوجَّه إلى الجميع ليكونوا واعين، وأن لا يسمحوا باستغلال حركتهم ومسيرتهم، أو أن يجرهم البعض لحساباته، وأن لا يسمحوا للفاشلين بأن يخربوا حركتهم، ولا للسّبابين والشتامين بأن يشوّهوا حراكهم، أو يدخلوهم في عملية تصفية حسابات سياسية أو حزبية، أو يوجّهوا اتهامات غير مسؤولة إلى شخصيات حمت لبنان وكانت صمّامات أمان في هذا البلد".
اضاف "نريد لكم أن تقدّروا ظروف البلد بدقة في هذه المرحلة، وأن تكون الأهداف التي تطرحونها أهدافاً واقعيّة بعيداً عن الشعارات الفضفاضة، وأن تستمروا في مواقعكم الاعتراضيّة لتراكموا الإنجاز تلو الإنجاز في معركة الإصلاح. وإنّنا ندعوكم إلى أن تكونوا حذرين ممن يريدون إشغالكم بمعارك هامشيّة لتقسيم هذا الحراك وإفقاده قوته، أو تحويلكم إلى أداة لضرب مواقع القوّة في هذا البلد، فالتّكامل هو الَّذي ينبغي أن يحكم علاقة الذين يواجهون الفساد بالَّذين يقاومون العدوّ، فكل منهما ينبغي أن يكون عوناً للآخر وقوّة له".
ولفت الى إنَّ البلد أحوج ما يكون في هذه المرحلة إلى تعزيز عناصر القوّة فيه، لا إلى زيادة الشرخ بين مكوّناته، لمواجهة الواقع الصّعب الَّذي يعانيه البلد، فأزمات البلد كبيرة وحادّة، ولا تعالج إلا بتعاون كل أبنائه، فالمسؤولية تقع على عاتق الجميع للوصول إلى حلّ سريع، حتى لا يسقط الهيكل على رؤوس الجميع.