ليس هناك شيء من النوايا الحسنة في ما يجري من حولنا. يشمل ذلك مساعي مارتن غريفيث ممثل الأمم المتحدة في اليمن، وغسان سلامة ممثلها في ليبيا. أما سوريا فأنا لست متأكدا من أن هناك ممثلا للمجتمع الدولي في أزمتها التي ستدخل بعد أشهر عامها العاشر.
موظفو الأمم المتحدة يتحدثون بلغة أنيقة عن جرائم قذرة. وهم في ذلك يلطّفون واقعا لا يمت بصلة إلى الحياة التي يجب أن يعيشها البشر. هناك همج مسلحون يريدون أن يفرضوا أجنداتهم على مجتمعات، كانت إلى وقت قريب تعيش صلحا يسمح بالقليل من العيش، ولكنه القليل الذي يكفي لكي يشعر الإنسان بأنه كائن بشري.
الهمج الذين تفاوضهم الأمم المتحدة لا يعترفون، في الحقيقة، بحق الإنسان في الشعور بأنه كائن بشري. هم بذلك يمنعون ذلك القليل من العيش. ما تبقى من عصر الطغيان في الذاكرة هو أفضل بكثير من النفاية التي يتفاوض معها المجتمع الدولي من أجل الوصول إلى حل. ولكن هل يمكن أن يكون المجتمع الدولي بمثل هذا المستوى من الضعة؟
يتحدث المجتمع الدولي عن ضرورة أن تستعيد الحكومة اليمنية مؤسساتها، لكن في عدن وليس في صنعاء. أهذا هو الحل الذي تفتق عنه عقل المبعوث الدولي؟ ولكن ماذا عن صنعاء؟ أتترك للهمج كما لو أن العالم قد اعترف بسلطة الأمر الواقع الذي فرضه الانقلابيون على الشرعية؟
في ليبيا هناك سلطة حكومة الوفاق التي تحتمي بالميليشيات التي يقودها زعماء إرهابيون. غير أن المجتمع الدولي مضطر بسبب الاعتراف الدولي بتلك الحكومة إلى التعامل معها باعتبارها مرجعية قانونية، وهو ما يجعل الجيش الوطني الليبي، الذي وحّد ليبيا، يبدو كما لو أنه جماعة خارجة على القانون. أعتقد أنها معادلة مربكة للعقل.
في سوريا ضحك العالم من نفسه وأبكاها.
غير أن كل ذلك يقود إلى فكرة الفوضى الخلاقة التي طرحتها كونداليزا رايس يوم احتل الأميركان العراق وكانت وزيرة للخارجية. لقد نظر الكثيرون إلى تلك الفكرة من جهة كونها مزحة، ولكن الواقع مع مضي الوقت أثبت أنها حقيقة. وإن كان أحد لم يصدقها يومها فلأنها كانت جزءا من الخيال السياسي الجديد الذي لم يكن العالم قد اعتاد عليه.
كان العراق هو النموذج الذي طبقت عليه نظرية “الفوضى الخلاقة” وأثبتت نجاحها. لقد صار ذلك البلد عبارة عن متاهة لا يملك أحد خارطة الخروج منها. الفاسدون وقد أغرتهم أمواله الكثيرة، والفقراء الذين صاروا يفكرون بهدم المعبد على من فيه، على حد سواء.
لقد وقفت الولايات المتحدة مع الفاسدين لتتحدى الشعب وترى ماذا في إمكانه أن يفعل. سيكون على الشعب حينها أن يتحدى نفسه ويختبر إرادته. أما أن ينحدر إلى الفوضى، أو أن يرتقي بقيمه الجمعية ليكون مؤهلا للتغيير.
ذلك ما يشهده لبنان الذي ابتلي، هو الآخر، بحكومة فاسدة، يديرها حزب الله من وراء ستار. وإذ يسعى اللبنانيون إلى الحيلولة دون تكريس مفهوم “الفوضى الخلاقة” لئلا يتحول إلى أمر عادي، فإن هناك جهات دولية تطمح إلى التعامل مع المسألة باعتبارها جزءا من ملف “الشرق الأوسط” الذي ستبقى الريح تلعب بأوراقه. وهي ريح الفوضى التي لا يزال المجتمع العالمي متمسكا بها باعتبار أن كل حل آخر مؤجل.
فبعد أن تم تدويل كل الأزمات التي تعاني منها المجتمعات العربية صار كل شيء مقبوضا عليه من قبل قوى خفية. لذلك فإن انتظار الحل من المنظمات الدولية هو أشبه بمطاردة أشباح في غرفة مظلمة.
“الحل يكمن في مكان آخر”.
تلك قناعة في إمكانها لو ترسخت أن تجعل الشعوب تلتفت إلى قدرتها الذاتية على تصريف إرادتها. وهو ما سينتقل بها إلى مرحلة كسر القالب الذي صنعته “الفوضى الخلاقة”.
فهل ستكون المظاهرات الشبابية المحتجة الخطوة الأولى في طريق طويلة وشائكة في اتجاه الخروج من متاهة الفوضى الخلاقة؟