تشير آخر الإحصاءات إلى تحقيق مناصفة فعلية في الشارع ترضي جميع الأطراف مع وجود مليون مسلم ومليون مسيحي يتظاهرون... عفواً، جاءنا الآن أنّ المتظاهرين هم مليونا مسيحي حصراً مع غياب تام للطوائف الإسلامية... نعتذر عن الخطأ، المتظاهرون هم فعلياً مليونا مسلم يحتلّون ساحات لبنان...
نعتذر مجدّداً عزيزي المسؤول، الموجودون في الشارع هم مليونا مواطن ومواطنة لبنانيون، ويؤسفنا إبلاغك أن ذلك لا يرضي طموحاتك الطائفية، وهو بالتأكيد يؤثّر سلباً على حساباتك السياسية والانتخابية، لأنك لسوء حظّك وحسن حظّنا، لا تعرف التعامل مع المواطنين بما أنّك لا تمتهن سوى مخاطبة عشّاق الطائفية والمتزلّمين من اللون الواحد، مع تمرّس لافت في زكزكة النعرات والتفريق بين الناس، حتى تفرغ لك الساحة لتلعب وحيداً بسلطتك وفسادك وبكلّ ما نهبته من أفواهنا.
راهنت عزيزي المسؤول على تعبنا فخذلناك.. راهنت على انقسامنا فخذلناك.. وفي النهاية راهنت على المطر فخذلناك. وإذا كنت تعتقد أن خير السماء الذي انتشلك من فضيحة حرائق الغابات التي التهمت لبنان من شماله إلى جنوبه، فيجب أن تعرف أن المطر لا يقوى على إطفاء نار الغضب التي تشتعل في قلوب المتظاهرين الذين يحتلّون ساحات لبنان.
ظهر أمس، ارتكبتم خطأكم السياسي المميت بوضع الجيش اللبناني الشريف في وجه المتظاهرين السلميين... فطافت السماء وانهالت على رؤوس ساكني الشوارع زخّات المطر، لكنها لم تجد أيّ طائفة تصيبها، ولم تجد أيّ حزب تزعجه، ولم تجد أيّ خطاب سياسي تبلّله... «طافت الدني وما لقيت ولا طايفة بالشارع»، بل وجدت أكتاف رجال وزنود نساء مشتبكة ليس لمواجهة عناصر الجيش المنضبطين، بل مشتبكة لاحتضان أولادها من أبناء المؤسسة العسكرية وحمايتهم من قراراتكم الطائشة.
عزيزي المسؤول الواهم والبعيد أصلاً عن واقع الشارع وصرخاته، هناك شيء لافت بالتأكيد لم تنتبه إليه أثناء متابعتك الانتفاضة من مكتبك، فأنت بالتأكيد لا تجرؤ على النزول إلى الشارع وعيش معاناة الناس.. الملفت أن نساء لبنان وفتياته هنّ اللواتي يقدن هذه الانتفاضة، هؤلاء المناضلات والبطلات والثورويّات اللواتي انحرمن من أبسط حقوقهنّ الاجتماعية والسياسية والمعيشية في دولتكم الذكورية المقيتة، هؤلاء المنهكات من مسؤولياتهنّ المنزلية والمهنية والمعيشية والضريبية، احتللن الساحات واعتلين المنابر وقدن بأجسادهنّ وأصواتهنّ وجرأتهنّ المظاهرات، وتناصفن مسؤولية الاحتجاج مع الرجال.
لا مطر سيفرّق المتظاهرين، ولا قوى عسكرية، ولا زعران ولا ميليشيات ولا أحد قادر أن يسكت الأفواه الجائعة التي تجرّأت على الصراخ، ولا أن يقمع الأجساد المريضة والمنهكة التي اختارت المواجهة. وفي وسط الشائعات التي يتمّ بثّها من هنا وهناك، وتحطيم المعنويات الذي تمتهنه بعض الفطريات السياسية، ُوُجد ترابط غريب بين اللبنانيين المعتصمين، ترابط خالٍ من أيّ عزقات وبراغٍ طائفية أو حزبية، ترابط حرّ من الحسابات المناطقية، ومبنيّ بشكل غريب وعجيب على المواطنة البحتة، وحبّ عذري لحلم بناء وطن اسمه لبنان.
السماء تطوف مطراً من فوق، والأرض تطوف شائعات من تحت... والشارع أصبح منقسماً بشكل عامودي حادّ بين مواطنين جائعين يطالبون بلقمة عيشهم، وبوطن يشبه آمالهم ويرضي براءة أولادهم... وطائفيين جائعين يدافعون بكلّ ما تبقّى لديهم من تحزّب أعمى لحماية مصالح زعيم سرق أتعابهم واغتصب حقوقهم وخدعهم بأحلام الخطابات التي تفضحها مرارة اليقظة.
وبين مواطن يريد بلداً مسيّراً بإرادة الشعب، وحزبيين يريدون زعماء يخيطون الوطن على مقاساتهم... ستتواصل الانتفاضة ولن يجد غضب السماء ولا جنون زعاماتكم أيّ طائفة يطعن بها خاصرة الأحرار.