الكلّ تأذّى في الماضي، حتّى الدّين الّذي كان ملجأ أو أداة، أصبح ناقمًا على أربابه السّياسيّين، ويودّ أن يتبرّأ منهم كما تبرّأ الشّعب، ويبدو أنّ الله أيضًا يقف مجدّدًا معنا، وكأنّه يبارك من السّماء كلّ ما يحصل
الكاتب: محمّد سمير رحّال
أنا لا أؤمن كثيرًا بالصّدف، لكنّي أؤمن أن الشّعبَ إذا أراد، يستطيع قلْب السّحر على السّاحر، فكيف لنا أنْ نصدّق كلّ ما يحصل بطريقة عفويّة؟ وكيف لنا أن نتوقّع الإيجابيّات، دون العودة إلى كلّ السّلبيّات الّتي تحيط بنا، من الدّاخل والخارج؟ فهل سيعي الشّعب خطورة الوضْع الرّاهن، ويتمكّن من تحقيق أهدافه؟.
حتّى الآن لم يتمّ الاتّفاق بين المتظاهرين على المطالب النّهائيّة، فمنهم من يريد الثّأر من التّيارات والأحزاب السّياسيّة، ومنهم من يريد تغيير كلّ الطّبقة الحاكمة، إلّا أنّ الأغلبيّة تريد حماية لقمة العيش، وكلّ ذلك دون تحديد مفهوم مسبق لهذا الحراك الشّعبيّ، هل هو مظاهرة، أم انتفاضة، أم عصيان، أم ثورة، أم انقلاب؟.
وحتّى الآن لم يتمّ انتخاب قيادة حكيمة لهذا الحراك، كي تتحدّث باسْمهم، وتدير، وتنظّم، وتحدّد الأساليب المتّبعة، والإجراءات المتّخذة، كلّ شيء حتّى هذه اللّحظة لا يزال مجهول المصير، والغريب أنّ الحراك لم ينتهِ، إنّما يزداد نموًّا، على عكس التّوقّعات، وهو قائم بروح جديدة، بلا قيادة سوى الوطن، نعم الوطن وحده، شاء من شاء، وأبى من أبى.
اليوم نشهد في لبنان ثورة، واسمحولي أن أسمّيها ثورة وطنيّة بامتياز، توجّهها العواطف والمطالب المشتركة، وتقودها الحناجر لا الخناجر، حتّى الجيش والقوى الأمنيّة، قد لعبا دورًا لا يُستهان به، ولا يمكن التّخلّي عنه بل يوضع كتاجٍ العروس على رأس الثّورة، وقد نجدهما في الأيّام القادمة بينا يهتفان ويبحران معنا إلى الحرّيّة ضدّ السّلطة.
أجل، فالكلّ تأذّى في الماضي، حتّى الدّين الّذي كان ملجأ أو أداة، أصبح ناقمًا على أربابه السّياسيّين، ويودّ أن يتبرّأ منهم كما تبرّأ الشّعب، ويبدو أنّ الله أيضًا يقف مجدّدًا معنا، وكأنّه يبارك من السّماء كلّ ما يحصل.