قد تدفع حركة النهضة الشعب التونسي إلى الخروج إلى الشوارع إذا ما أصرّت على أن يكون رئيس الحكومة المقبلة من بين أعضائها.
الأرجح أنها ستفعل ذلك إذا ما لقيت تجاوبا من كتل نيابية أخرى بحيث تمكّنها التحالفات من الحصول على ثقة 109 نواب وهو ما سيؤهلها لتشكيل الحكومة.
ذلك الأمر الصعب حتى هذه اللحظة. قد يجد له راشد الغنوشي، زعيم الحركة الذي عُرف بدهائه السياسي وقدرته على غواية الآخرين، مخرجا وتحقق النهضة هدفها في الوصول إلى الحكومة بعد أن فشلت في الوصول إلى قصر قرطاج. ولكن تلك الخطوة لا تشف عن ذكاء وخبرة وتعلم من التجربة.
لقد سبق لحركة النهضة أن حكمت مرتين من خلال حكومتي حمادي الجبالي وعلي العريض. وكان الفشل الأمني والاقتصادي عنوانا مزدوجا لتلك المرحلة التي يكتنفها الكثير من الغموض بسبب نشاط الجهاز السري التابع للحركة. كما أن الحركة لا تملك برنامجا واضحا يمكنها من خلاله النهوض بالاقتصاد التونسي.
وإذا ما عرفنا أن الأوضاع المعيشية لا تزال في مقدمة الأسباب التي تدعو إلى الاحتجاج الشعبي الكامن، فإن دنوّ حركة النهضة، التي سبق لها أن فشلت في إدارة الملف الاقتصادي، من الحكم سيؤدي بالضرورة إلى الانفجار.
ليس أمام النهضة والحالة هذه سوى أن تتوارى وتتخلّى عن حلمها في الوصول مرة ثالثة إلى السلطة بالرغم من أنني لا أعتقد أنها ستتعامل إيجابيا مع ذلك الوضع. وهو ما يعني أنها لم تتعلم من درس الماضي القريب.
لن يرحب الغنوشي بالرغم من شخصيته العملية بفكرة التخلّي تلك. ربما لأن السلطة تشكل حلمه الأخير. تلك مشكلة على الشعب التونسي أن يدفع ثمنها ولكن ذلك الثمن سيرتد على الحركة التي يقودها الغنوشي.
سيكون من الصعب على الرجل أن يحكم تونس من وراء ستار، غير أن الأكثر صعوبة أن لا يؤدي الاستحقاق الانتخابي إلى نتيجة إيجابية إذا ما امتنعت جميع الكتل الحزبية الفائزة في الانتخابات عن التحالف مع حركة النهضة وتركتها وحيدة في مواجهة استحقاق دستوري سيكون بمثابة هزيمة مريرة لها. لذلك يمكن القول إن الغنوشي في حال لا يحسد عليها. ليست إعادة الانتخابات بالأمر الهيّن بالنسبة للنهضة.
يمكن أن تتسلل الأخبار السيئة إلى الحوادث الحسنة. لذلك فإن النهضة ستكون مجبرة على أن تتحاشى مصيرين قد لا تتحمّل نتائجهما. الانفجار الشعبي إذا ما أصرت على الحكم، أو العجز أمام الاستحقاق الدستوري فتعاد الانتخابات. فهل ستتجه إلى اختيار شخصية تثق بها لتكون واجهتها في الحكم؟
ذلك يبدو حلاّ مريحا على الأقل ظاهريا. ستحكم النهضة من خلال رجل لا يمثلها، ولكنها تثق بأنه سييسر لها حرية الحركة بعد أن انكشف موضوع جهازها السري بكل ما انطوى عليه من مشكلات تمسّ الأمن الوطني وسلامة المواطنين. سيكون اختيار ذلك الرجل نوعا من المجازفة بالنسبة للحركة.
فما من أحد يمكنه أن يضمن لها غلق الملف الذي يدينها أو على الأقل يحرجها أمام القضاء. حاجتها إلى الحماية لا بد أن تسبب لها قلقا عظيما في مسألة التخلّي عن استحقاقها الانتخابي لشخص آخر قد لا يكون مؤتمنا على مصيرها وهي التي تتسيد مجلس النواب بعدد نوابها.
أعتقد أن حركة النهضة لم تكن محظوظة بفوزها الناقص. لقد خسرت في أن تكون الكتلة النيابية الأكبر، كما أنها تقف في مواجهة كتل حزبية يمتنع الكثير منها عن التحالف معها إلا إذا تخلّت عن السلطة.
لذلك أتوقع أن النهضة ستقاتل حتى اللحظة الأخيرة من أجل أن تنتصر لهدفها في الوصول إلى السلطة. أما إذا فشلت فإن خيارها سيقع على شخصية ضعيفة قد يتحول في ما بعد إلى “يوسف الشاهد” جديد وهو ما سيسبب لها صداعا غير متوقع.