تحول كل لبناني خلال الأيام الماضية إلى مراقب ومحلل، وهذه حرفته الأولى في الأساس. غير أنه الآن أصبح متفرغاً، وقد وفرت له التجمعات ظواهر كثيرة؛ إحداها وأهمها موقف الجيش ودوره، فكان السائد بين اللبنانيين أن الجيش يؤيد الجنرال ميشال عون بصفته قائداً سابقاً له، وعدّ البعض أن تعيين العماد جوزيف عون قائداً هو في جملة التعيينات التي تحمل مباشرة اسم العائلة، وليس فقط الأنسباء.
لكن منذ اللحظة الأولى للانتفاضة على النظام، تصرف العماد جوزيف عون على أن جيشه هو جيش الشعب. وتعامل الجيش مع المتظاهرين مثل أرقى جيوش العالم، وتلقى منهم التحيات والعناق والورود، وحافظ على صمت نبيل يفرضه انضباطه العسكري، وأزاح مصفحاته جانباً لكي يمر المحتجون إلى مواضع التجمع.
أما الضباط المتقاعدون، فقد أعفتهم نهاية الخدمة من الصمت، وهؤلاء انضموا إلى الناس يطلبون إسقاط النظام، ويشتركون في الحملة على العهد، ولا شك في أن موقف الجيش وصراخ المعارضين كانا الصدمة الكبرى للعهد في كل ما حدث. كل شيء آخر أصبح متوقعاً رغم حالة الإنكار والمكابرة. الصرخة في وجه الفساد والنعوت التي أطلقت على رمز «العهد القوي» جبران باسيل، والتخلي الذي أظهره الحلفاء والمناصرون الذين اختبأوا، أو لاذوا بصمت المقابر، فيما العهد يتلقى كل هذه الهجمات.
حتى بيان من جمعية أهلية لم يصدر في دعم العهد المحاصر، وظل وزير الخارجية جبران باسيل مصراً على استغباء الناس والتظاهر بأنه مع مطالبهم. أليس هو بطل المغتربين الذين يجول عليهم كل بضعة أسابيع للاحتفال؟ وكان الرد أن المغتربين عقدوا حلقات الدبكة من سان فرنسيسكو إلى أستراليا تضامناً مع أهاليهم في طرابلس وجبيل وقضاء البترون، الذي فاز بمقعده النيابي بعد ثلاث محاولات، بل إنه أصبح زعيماً على سياسته الخارجية، قبل الفوز بالمقعد المتوج بزمن طويل.
تصرف جبران باسيل مع لبنان كأنه جل من جلول مزرعته... تعامل مع رئيس مجلس النواب بغطرسة غير لائقة، وتعامل مع الرئيس سعد الحريري كأنه موظف في انتظار أفكاره العظيمة، وعامل الدول العربية كأنها قطيع في خراجه، وجاء أمين الجامعة العربية إلى بيروت مرتين فلم يلقَ الوقت لاستقباله.
كان في غنى عن أن يسمع النعوت التي أطلقت عليه في ساحات لبنان، والرئيس عون كان في غنى عن أن يتسبب له هذا الرجل فيما جرى، حتى رئاسة الجمهوريات لا تستحق هذا الثمن.