مع الفخر والاعتزاز بالشعب اللبناني الذي صنع إحدى أهم معجزاته خلال المائة عام التي مضت على قيام دولة لبنان الكبير: الوحدة الوطنية، فالانقسام الطائفي والفئوي عمره من عمر هذا ال"لبنان الكبير"، ترعرع في ظلّ الانتداب الفرنسي، وتحت رعايته، وخلال ثلاثة أيام مرّت، أثبت هذا الشعب الصابر أنّه على درجة كافية من الوعي لصهره في وحدة وطنية رائعة وقادرة على بعث وقيامة وطن خارج المحاصصات الطائفية، والشرذمات الزبائنيّة.
مع هذا الإنجاز العظيم الذي تحقّق حتى الآن، لا بدّ من التفكير مليّاً في ما ستؤول إليه هذه الثورة العظيمة خلال الأيام القليلة المقبلة، أمام إصرار المتظاهرين على رحيل رموز السلطة، ومحاسبة الفاسدين واسترداد الأموال المنهوبة من جهة، وإصرار أهل السلطة الحفاظ على مناصبهم، مع إغداق بعض الوعود الإصلاحية من جهة أخرى، إلاّ أنّ المصاب الجلل والأخطر هو أنّ الوقت يداهم الجميع، فقد تأخّر أهل السلطة كثيراً جدّاً في معالجة المعضلات المالية والاقتصادية الحرجة التي تعانيها البلاد هذه الأيام، وعدم قطع دابر الفاسدين، وتأخر هذا الشعب"العظيم" كثيراً في محاسبة الحكام والمسؤولين، فلم تمضِ حتى الآن أكثر من أشهرٍ معدوداتٍ على تجديد الثقة بهم عبر الانتخابات البرلمانية الأخيرة أواسط العام ٢٠١٨، وبات الجميع أمام مأزقٍ واحد، ويجب معالجته فوراً لئلاّ يدخل البلد في مضائق موحشة وخطرة، ولعلّ الوحيد، لو صدقت النوايا وصحت العزائم هو رئيس الجمهورية القادر على القيام بالمبادرة الإنقاذية، فليتقدّم رئيس الحكومة باستقالة حكومته، ليقبلها الرئيس ويجري مشاورات نيابية سريعة( ولو بالهاتف)، لإعادة تكليف الرئيس سعد الحريري بتأليف حكومة إنقاذية مُصغّرة، بعيداً عن المحاصصات الطائفية والسلطوية وتوزيع المغانم، لتنصرف هذه الحكومة بعد ذلك للإعداد بإجراء انتخابات نيابية مُبكّرة، ممّا يسمح باستعادة ثقة المواطنين بفعالية الخطوات اللازمة التي يمكن للحكومة الإنقاذية القيام بها، ويوضع الشعب أمام مسؤوليّاته بانتخاب طقم سياسي جديد ونظيف وكفؤ وقادر على حمل أثقال بناء وطن جديد خارج القيود الطائفية، ينبعث من بين رماد الحروب الأهلية المتنقلة.