نحن كنّا شعب لبنان الغشيم، كنّا الشعب الذي صدّق وعودكم وآمَن بخطاباتكم وسار خلف خياراتكم. أضعنا أجمل سنين طفولتنا، وأعزّ سنين شبابنا، وأغلى سنين عمرنا مُنتظرين تحقيق شيء، أي شيء، مهما كان صغيراً أو تافهاً... لكننا كنّا شعب لبنان الغشيم الذي لم يحصل منكم سوى على تأجيج طائفي يحمي ميليشياتكم، وخطابات رنّانة تقوقعنا أكثر وأكثر في كنتونات مذهبية، وتحالفات خنفشارية تملأ خزناتكم وتثقب جيوبنا، تملأ كروشكم وتجوّع أفواهنا.
كنّا شعب لبنان الغشيم الذي قدّم والده وعمّه وخالته وأولاده وجيرانه شهداء لقضاياكم المقدّسة، فتاجَرتم بدمائهم ورَقصتم لسنوات وسنوات بتوابيتهم البيضاء فوق المنابر حتى حوّلتم شهداءنا إلى أكياس بصل تبيعونها حسب سعر السوق.
كنّا شعب لبنان الغشيم الذي طالب بالكهرباء لأكثر من 30 سنة، ووجد حلمه رَدم جورة أزلية أمام منزله... كنّا شعب لبنان الغشيم الذي طالب بالطبابة والتعليم وضمان الشيخوخة، وانتظر نقطة مياه تروي عطش كبايات مطبخه... كنّا شعب لبنان الغشيم الذي طالب بهواء صحّي وبحر نظيف وشوارع خالية من النفايات، ووقفَ أشهراً بالصَف لتحصيل ثمن دواء من الضمان... كنّا شعب لبنان الغشيم الذي طالب بعودة سويسرا إلى الشرق، فأتَته منكم قندهار تتجسّد في شوارعه وفي عقلية شبابه وشابّاته... كنّا شعب لبنان الغشيم الذي صدّق أنه يمكنه الاعتماد عليكم لبناء البلد، فأهديتموه مزرعة ترفض الحيوانات العيش فيها.
كنّا شعب لبنان الغشيم الذي آمن أن يعيش أولاده في وطنكم الموعود من دون أن يصابوا بسرطان إهمالكم، آمن أن تكبر بناته وأخواته في جمهوريتكم الفاضلة وتحصلن على أدنى حقوق المرأة، آمن أن يكبر جدّه وجدتّه من دون أن يكونا عالة أبدية على أولادهم المديونين... كنّا شعب لبنان الغشيم الذي صدّق أنه قادر أن يقول كلمته بحريّة من دون أن ترتفع بندقية أزلامكم في وجهه.
هَلّقتني... أصبحنا شعب لبنان العظيم... عندما ابتعدنا عنكم وعن وعودكم. أصبحنا بوَعينا وإرادتنا وهتافاتنا وتمسّكنا بأيدي بعضنا مسلمين ومسيحيين، شعب لبنان العظيم الذي فهم أخيراً لعبتكم، وفهم أن التحرّر من طائفيتكم هو المخرج الوحيد إلى دولة يكون فيها القرار مسيّراً بإرادة الشعب العظيم فقط.
كل أحزابكم وتياراتكم لم تستوعب بعد حجم الاحتجاج الشعبي، ولا يستطيع عقلها الانعزالي تحليل ما يجري في الشارع، لأننا نعرف أنكم ما زلتم مقتنعين أننا سنتعب ونعود إلى منازلنا، أو تراهنون على لعبة زعرانكم وبعض المظاهر المسلّحة أو أعمال التخريب التي ستخيفنا وتردعنا عن مطالبنا وتَكمّ أصواتنا التي تصدح بالتحرّر... لكن اعلموا أنّ الملايين المتجمهرة في الشوارع من بعلبك إلى صور وصيدا والنبطية والبترون وجبيل وطرابلس وعكار وبيروت تحمّلت زَعرناتكم لسنوات، وتعايَشت مع حروبكم ومعارككم، وصمدت في وجه سياساتكم في التجويع والتفقير والإذلال، وبقيت في لبنان ولم تهاجر لأنها كانت تنتظر الوصول إلى 17 تشرين الأول 2019 لتصبح بكامل إرادتها وبقوّتها وإصرارها شعب لبنان العظيم، بلا منيّة من منابركم أو خطاباتكم ووعودكم.
هناك تواريخ كثيرة وقديمة لمعارككم التي تذكّروننا فيها عند كل استحقاق، وهناك تواريخ كثيرة لانتكاساتكم السياسية والعسكرية، وهناك تواريخ كثيرة لوعودكم السرمدية التي لم يتحقّق منها شيء... لكن هناك تاريخ واحد جديد، 17 تشرين تاريخ انتفاضة الـ99 في المئة على الـ1 في المئة، وتاريخ بداية مرحلة جديدة لا تتقنوا قوانين اللعب فيها.
ناضلتم لنبقى قطعاناً نتشرّف فيها بأننا خواريف، وركّزتم جهودكم حتى نبقى شعب لبنان الغشيم... وجاءت ثورتنا لنصبح أحراراً، لنصبح مواطنين، لنكون شعب لبنان العظيم.