الحريري باقٍ على رأس الحكومة، يؤكّد متابعون لمسيرته، لأنّ خروجه من السلطة في هذه المرحلة يعرّضه لخسائر كثيرة، سواء على مستوى مستقبله السياسي في الحياة السياسية اللبنانية أو على المستويين الاقليمي والدولي، خصوصا انّ كل التطورات الجارية تدلّ الى انّ الازمات الاقليمية دخلت جدياً في مرحلة انجاز التسويات اللازمة لها وباتت المسألة في شأنها «مسألة وقت»، بدليل الوساطات الجارية في شأنها سواء بالنسبة لسوريا او لليمن، أو بالنسبة الى الأزمة السائدة بين المملكة العربية السعودية والجمهورية الاسلامية الإيرانية. فالحريري يقرأ في ما يجري ما يدفعه الى تعزيز وجوده في الواقع السياسي، وعلى رأس الحكومة لملاقاة الآتي الى المنطقة ويكون شريكاً فيه إذا أُمكن، او الاستفادة منه. في اعتبار أنّ بعض الدول التي ستشارك في هذا الآتي أو المعنية به، والتي يُقال إنّها تتخذ موقفاً سلبياً من الحريري، أو إنّها غير مرتاحة الى خياراته السياسية السابقة والراهنة، ستغيّر هذا الموقف ايجاباً لاحقاً، بعد أن تُنجَز تلك التسويات.
ومهلة الـ 72 ساعة التي حدّدها الحريري ليحسم موقفه من التطورات الجارية والمطالب التي يرفعها المتظاهرون، يجزم المتابعون بأنّها لن تنتهي بإعلانه الاستقالة من رئاسة الحكومة، في حال عدم تجاوب من سمّاهم «الشركاء في الوطن»، مع مطالبه المتعلقة بمعالجة الاوضاع الاقتصادية والمالية المأزومة. والبعض يقول، إنّ الحريري حدّد هذه المهلة نتيجة الضغوط التي يمارسها ضده كثيرون في الداخل والخارج، مع العلم انّ ليس ثابتاً لديه، وحتى لدى مؤيّديه، انّ دول الخليج او بعضها، لم تعد(حسب ما يردّد البعض) تُحبّذ بقاءه في رئاسة الحكومة بسبب «تحالفه» مع رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس «التيار الوطني الحر» الوزير جبران باسيل، و»تناغمه» مع حليفهما «حزب الله». بل انّ الرجُل يقرأ في التطورات الاقليمية ما يجعله يستنتج انّه سيلتقي لاحقاً مع الدول المعنية بها على الموجة نفسها.
والى ذلك، يقول المتابعون، انّ الحريري أجرى في المواقف التي اعلنها مساء أمس «ربط نزاع» بينه وبين المعنيين مدّته 72 ساعة لن تنتهي حتماً بإعلان استقالته، بل على العكس، هو سيحاول في خلال هذه المدة إفهام حزبي «القوات اللبنانية» و»التقدّمي الاشتراكي» اللذين يدعوانه الى الإستقالة، أنه لن يأبه لهما في حال قرّرا الخروج من الحكومة. كذلك سيحاول الحريري في الوقت نفسه، ان ينتزع من باسيل بعض التنازلات في إطار الاصلاحات والضرائب التي يريد فرضها او زيادتها، لخفض العجز في موازنة 2020 ، وذلك بما يرد عنه إتهام البعض له داخل بيئته وخارجها بالتخلّي عن بعض صلاحيات رئاسة الحكومة و»الانصياع» لرئيس الجمهورية وباسيل بغية «ضمان بقائه» في رئاسة الحكومة طوال ما تبقى من ولاية رئيس الجمهورية التي تنتهي في 2022.
وضمن «ربط النزاع» هذا سيحاول الحريري ايضاً ان ينتزع من «حزب الله» موقفاً مرناً على الاقل من بعض البنود الاصلاحية الضريبية التي يقترحها لخفض عجز الموازنة، حيث انّ الحزب يعارض بشدة فرض ضرائب جديدة على اصحاب الدخل المحدود.
ويعوّل المتابعون على دور فعّال يُنتظر ان يؤديه رئيس مجلس النواب نبيه بري لتفريج الأزمة السائدة ومنع البلاد من الوصول الى المجهول، وذلك على رغم من الحملات والهجمات التي يتعرّض لها في بعض محطات الحراك. ويؤكّد هؤلاء، أنّ الرجُل كان ولا يزال صمّام أمان في البلد للحلفاء والخصوم على حدّ سواء، وقد اثبت ذلك في كثير من المحطات. لكن فريقاً من السياسيين يعتقد انّ ما بعد الحراك الشعبي الجاري سيكون غير ما قبله، سواء على مستوى العلاقات بين مختلف القوى السياسية أو على مستوى الاوضاع الاقتصادية والمالية. فالبلد دخل في مخاض سيرسم مصيره في المرحلة المقبلة، ولكن ليس معروفاً ما سيكون عليه المدى الزمني لهذا المخاض، وهل سيحتاج الى دم ونار في قلب المشهد، فيما التوقعات تشير الى انّ الاوضاع مستمرة على هذا المنوال الى أجل غير مسمّى، لأنّ السلطة لم تقدّم للناس بعد أي شي مُقنِع يطمئنهم الى غدهم.
واللافت في الحراك هذه المرة، انّ المشاركين فيه يتجرأون للمرة الأولى على جميع المرجعيات الرسمية والسياسية وعلى القيادات السياسية البارزة والمؤثرة، بحيث انّهم يوجّهون اليها انتقادات كبيرة، على رغم مشاركة انصار لهذه المرجعيات وللقوى السياسية الممثلة في السلطة في الحراك ظاهرين او مستترين.
واللافت ايضاً، انه لم تظهر بعد هوية أي جهة تتبنّى الحراك، في الوقت الذي تدفع الخطوات التصعيدية التي يتخذها المتظاهرون بطريقة منظمة، الى الإعتقاد انّ هناك جهات وقوى محترفة تدير الحراك، على رغم ما يتخلّله من اعمال شغب واعتداء على ممتلكات عامة هنا وهناك.