بالرغم من أنَّ الجهنميّات الملتهبة قـد اجتاحتْ مناطق لبنان، فهي لا تشكّل حدَثاً مفاجئاً، لأنّ لبنان يحترق كلَّ يوم بنار السلطة، ونار السلطة هي التي أوقدَت نار الطبيعة.
يبقى الحدث إذاً، في بلدة "الحدث"، وإنْ قيل : إنّ أبـرز ما يحدث هو في شمال سوريا، ففي بلدة "الحدث" كانت ملائكة سوريا أيضاً حاضرة.. وقد بشّـر الملاك وزير الخارجية اللبناني جبران باسيل بضرورة زيارة سوريا لإعادة الجيش السوري النازح الى بلاده.
إذا صحَّـتْ نبوءة جبران "النبي" بإعادة النازحين، فقد يستأهل صاحبُ النبوءة أنْ يقامَ لَـهُ تمثالٌ في بلدة بشرّي.
الحدث في خطاب رئيس التيار الوطني الحـرّ في "الحدث"، أنه طلَب من رئيس الجمهورية "ألاّ ينتظر طويلاً ، وفي اليوم الذي يشعر فيه أنه لم يعد يستطيع أن يتحمّل نطلبُ منه أن يضرب على الطاولة، ونحن مستعدون على قلب الطاولة، أفضل من أن نجلس على أحد الكراسي"...
إذا كان رئيس الجمهورية ينتظر أن تسوء الحالة أكثر ليضرب على الطاولة، فهل بقيَ ما هو أكثر ...؟ نار السلطة وحرائق الأرض تلتهمان البشر والشجر والطاولة ومَـنْ عليها ومَـنْ حولها ومَـنْ تحتها، ولم يبقَ من أمل إلاّ في ضربةٍ واحدة تحطّم كل الأدوات الخشبية في المطبخ الفاسد، ضربة واحدة قد لا يكون ثانيةٌ لها... حتى بطل الكاراتيه اليابانية لا يستطيع في كل مـرّة أن يقطع بضربة يـدٍ واحدة تراكُمَ ألواح الخشب.
إذا كان الرئيس قد صبَـر وتجلّد وساوم وساير وراعى، والشعب صبَـر وقُهِـرَ وتجلَّـد وجُلِـدَ وصُلِب، واللصوص حوله لا يُصلبون، "فقلبُ الطاولة أفضل من الجلوس على أحد الكراسي"... والجمودُ بعضٌ من الموت.
إلامَ ننتـظر مع الصبر، والصبرُ لم يعد مفتاحاً الى الفرَج، بل أصبح مفتاحاً الى القبر...؟
وإلامَ ننتظر ليصبح عندنا وطن.. ومن ننتظر ليصنع لنا هذا الوطن..؟
لبنان الذي وُلدنا فيه لم يعد موجوداً... ولبنان الذي نطمح إليه تهجّر عن لبنان... والشعب الذي ينقلب على ذاته يصبح شعباً آخر، وعندما يصبح شعباً آخر، يحـلُّ شعبٌ آخـر محلّه.
لم يعد كافياً، ما نُقل عن عـزْم الرئيس على تفعيل إجراءات لاسترداد الأموال المنهوبة من سياسيين ورجال أعمال، لعلّ ذلك يخصِّب السنين الثلاث الخوالي.
الأمر على خطورته بات يتخطى الإجراءات الكلاسيكية الى ضربة من فوق تحول دون تفجُّـر الحمـم الهائجة في النفوس التي "تحت"، والتي تلتهبُ عنيفةً لتجرف "الفوق والتحت" معاً.
ليس بمجرد رفْـع الإصبعين على شكل سبعة الى فوق، يتحقق الخلاص، بل بضربة "تخلْخِلُ" المسمار في التابوت، إن لم تكن بيد ميشال عون الرئيس فلتكن بقبضة ميشال عون الجنرال... شعب لبنان العظيم لا يزال ينتظر ذلك الوعد.