سيتوقف الجميع طويلاً عند هذين اللقاءين محاولين استكشاف نتائجهما تمهيداً لإسقاطها على أرض الواقع، وسيعوّل المستكشفون في ذلك على حركة ومواقف كلّ من باسيل وفرنجية في قابل الايام، إعتقاداً منهم انّ «الحزب» لن يصدر عنه أكثر ممّا ورد في البيانين اللذين وزّعهما بعد اللقاءين.
وفي اعتقاد البعض أنّ فرنجية لن تتغيّر حركته ومواقفه وتصرفاته بعد اجتماعه بنصرالله، فهو معروف بالعلاقة التحالفية المتينة بينه وبين قيادة «حزب الله»، وكذلك بينه وبين أطراف سياسية ودول بعضها لا تؤيّد «الحزب»، ويُنتظر ان يبقى على سيرته، مُحافظاً على هدوئه ومتعاطياً مع الاستحقاقات الراهنة والمستقبلية بواقعية لطالما تميّز بها في مختلف المحطات غير مُستعجِل الخطى قبل أوانها.
لكنّ باسيل بَدا بعد اللقاء مع نصرالله كأنه «شرب حليب السباع»، الى حد أنه ذهب الى التلويح بقلب الطاولة، داعياً رئيس الجمهورية الى ضرب يده عليها بدايةً ليتولّى هو وفريقه السياسي قَلبها، الأمر الذي لاقى ردود فعل مؤيّدة هذا الموقف، في مقابل أُخرى عارَضته وذهب أصحابها الى توجيه انتقادات رادعة إليه.
القراءة الـ«8 آذارية» للقاء نصرالله مع كل من باسيل وفرنجية، تقول انّ لكل من اللقاءين خصوصيته، وكان هناك تَعمّد لتظهيرهما على أنهما يندرجان في إطار تشاور بين الحلفاء، وخصوصاً على المستوى المسيحي، من دون ان يكون لهما اي علاقة بالاعتبار الرئاسي، او بالاستحقاق الرئاسي المقبل.
كما أنّ الهدف الاساسي من التسلسل الزمني لانعقاد اللقاءين، يكشف انّ اللقاء مع باسيل اكتسب أهمية خاصة ربطاً بحجم «التيار الوطني الحر» التمثيلي على المستويات الشعبية والنيابية والوزارية، وبالتالي إعادة ترتيب أولويات المرحلة المقبلة سواء بترتيب أولويات الحكومة خصوصاً بعد لقاءي باسيل مع رئيس الحكومة سعد الحريري، وترتيب الاولويات على جدول أعمال مجلس الوزراء والتنسيق في شأنها.
امّا الأهم في لقاء نصرالله وباسيل، بالاضافة الى قراءة المشهد الاقليمي المُستجِد (وهنا قدّم نصرالله مطالعة طويلة وواسعة متحدّثاً عن الاختلال الهائل في موازين القوى على مستوى المنطقة)، فكان الاتفاق على سبل مواجهة الازمة الاقتصادية والمالية والنقدية في المرحلة المقبلة، بالاضافة الى ملف النازحين وسُبل مقاربته في المرحلة اللاحقة، واستفادة لبنان اقتصادياً من فتح معبر البوكمال بين سوريا والعراق، وطريقة ترتيب الانفتاح السياسي على سوريا في المرحلة المقبلة.
امّا لقاء نصرالله فرنجية، فتفيد المعلومات التي رَشحت انّ قواسم مشتركة بين الرجلين تمخّضت عنه، خصوصاً انهما لم يلتقيا منذ مدة طويلة. وكان الوزير يوسف فنيانوس يؤدي الدور الحيوي في التواصل والتشاور بينهما حول مختلف المجالات.
وقد تخلل اللقاء قراءة للأوضاع الاقليمية والدولية والمحلية، وتشديد على تعزيز التنسيق بين الطرفين، وكذلك أُجريَت قراءة للواقع المسيحي خصوصاً والوطني عموماً، فضلاً عن قراءة للعلاقة مع سوريا ومستقبلها.
كذلك كان تأكيد وتشديد من جانب «حزب الله» على انّ العلاقة التحالفية بينه وبين فرنجية، كزعامة، هي علاقة ثابتة وراسخة في حساباته الاستراتيجية، وكانت هناك طمأنة لفرنجية الى انّ الموضوع الرئاسي بالنسبة الى «الحزب» ليس موضوعاً على الطاولة «في ظِل زَخم الرئيس ميشال عون وحيويته وحضوره».
لكنّ القراءة الـ«14 آذارية» تقول انه لا يخفى على أحد أنّ أولوية العهد هي تأمين خلافة عون، وأنّ الأزمة الأساسية التي تعيشها البلاد منذ 2016 الى الآن هي نتيجة هذه الأولوية، إذ انّ تَنازع الأولويات، بين أن تكون الأولوية إنجاح العهد وبين أن تكون الأولوية خلافته، أدّى الى ما أدّى إليه، لأنّ أولوية الخلافة تقدّمت على أولوية نجاح العهد، وبالتالي وصلت الى ما وصلت إليه، لأنّ أجندة باسيل هي التي تقدمت على كل شيء، وهذا ما يفسّر الأزمات المتنقلة، وانتزاع المشروعية التي كان يسعى اليها، والمواجهات التي خاضها ويخوضها في كل الاتجاهات ليصل الى موقع رئاسة الجمهورية، فهدفه هو انتزاع مشروعية مسيحية من خلال مواجهة المسلمين والمسيحيين في آن معاً، وإثبات قدرته على أن يخلف عون إنطلاقاً من هاتين الحيثية والمشروعية، وأنه الأقدر على خَوض المواجهات في كل الاتجاهات إنطلاقاً من تراث «هذا الفريق السياسي».
المشكلة الأساسية لدى باسيل، حسب قراءة 14 آذار، كانت أنّ السيد نصرالله لا يتبنّى ترشيحه على غرار تبنّيه الثابت لترشيح عون لرئاسة الجمهورية. وبالتالي، كانت مشكلته الأساسية، أي باسيل، أنه لا يحظى بهذا التَمسّك. لكنه بعدما وجد أنّ أوراقه «مقطوعة» سعودياً، وأميركياً وغربياً، واكتشف أنّ قنوات الحوار مسدودة بينه وبين الأميركيين، رأى «أنّ الفرصة سانحة لرَمي كل وَضعيته في أحضان «الحزب»، بعدما كان سابقاً يحاول تمييز نفسه عنه. فالرجل يعتقد أنّ دعم الحزب له إذا لم يوصِله الى سدّة الرئاسة، فإنه يوفّر له، في الحد الأدنى، منع وصول أي رئيس غيره.
الى ذلك، فإنّ قراءة باسيل للتطورات الاقليمية تقول إنّها ستؤدي الى انتصار «محور الممانعة» في المنطقة، وهذا ما شَجّعه على الذهاب قُدماً في هذا الاتجاه. وبالتالي، وجد أنه في حاجة الى تقديم مزيد من أوراق الاعتماد للحزب بُغية انتزاع إعلان رسمي منه بتأييد ترشيحه لرئاسة الجمهورية، وهذا يفسّر التزامن بين لقائه السيد نصرالله الذي تَلاه مباشرة إعلانه موقفه الشهير في جامعة الدول العربية، وبالتالي تأكيده في ذكرى 13 تشرين أنه سيزور سوريا.
من هنا يريد باسيل أن يقول لـ«حزب الله»: «أنا أقدَر من سليمان فرنجية في الذهاب الى دمشق، أنا الأقدر في الحفاظ على الغطاء المسيحي للحزب والمقاومة، بينما فرنجية «مَحصور» ضمن بقعة جغرافية شمالاً، فيما أنا كرئيس «تيار وطني حرّ» مُنتشِر على كل الأراضي اللبنانية وأستطيع القيام بما لا يستطيع فرنجية القيام به، فضلاً عن أنّ حجم فرنجية في الحكومة هو وزير واحد، فيما أنا أستطيع زيارة سوريا موفداً رئاسياً، وأستطيع زيارتها كرئيس لأكبر كتلة نيابية، وأكبر كتلة وزارية وممثلاً لرئاسة الجمهورية ورئيساً لتيّار سياسي عريض». بمعنى آخر أنّ باسيل يقول للحزب: «ما أستطيع القيام به لا يستطيع فرنجية القيام به، وما أستطيع تقديمه لا يستطيع أحد تقديمه».
وفي القراءة الـ«14 آذارية» أيضاً أنّ «ما يحصل اليوم هو انقلاب لدى «التيار الوطني الحر»، فباسيل كان منذ 2016 يحاول التوفيق بين الخطوط الداخلية والخارجية، وكذلك يحاول أن يلعب لعبة التوازن بين مقتضيات الداخل والخارج، الى أن وجد أنّ أوراقه مقطوعة في الخارج، فذهب بعيداً في المواجهة بغية انتزاع تَبنّي نصرالله ترشيحه لرئاسة الجمهورية (على غرار ما كان عون). وبالتالي سيظهر، من الآن وصاعداً، عاملاً في هذا الاتجاه.
وحسب القراءة نفسها أنّ الساعات السبع بين نصرالله وباسيل لا يمكن أن تكون قد اقتصرت على الحديث عن موازنة وما شابَه، إنما من المؤكد أنها وضعت خريطة طريق تتناسَب مع «الحزب»، وسينفّذها باسيل انطلاقاً من حاجته إليه لدعم ترشيحه لرئاسة الجمهورية.
وتضيف هذه القراءة الـ14 آذارية أنّ اجتماع نصرالله بفرنجية «لا يندرج فقط على قاعدة 6 و6 مكرر، وهَيدي عَين وهَيدي عَين، إنما أراد أن يقول لفرنجية إنّ الأولوية اليوم هي لمحور الممانعة ولتحقيق التطبيع، لفكّ الحصار الأميركي عنّا، وانه «يجب تسهيل مهمة الوزير باسيل ودعمها وعدم عرقلتها، لأنها تصبّ في خانة محور المقاومة». ويبدو أنّ باسيل ينطلق في مقاربته وخطوته من هذه العوامل.