قرفنا نحمّلكم مسؤولية، وتعبنا من لومكم على كل كارثة تضرب البلد، ومللنا تذكيركم بمدى تقصيركم في واجباتكم تجاه البشر والشجر والحجر في لبنان...
فلم يعد السؤال اليوم إذا كنتم تتحمّلون المسؤولية، فهذا أمر مفروغ منه، لكن السؤال الآن هو متى سيستقيل المقصّر فيكم، ومتى سيرحل المتخاذل، ومتى سيتنحّى الفاسد، أو على الأقل متى ستستفيقون ويستفيق ضميركم على وجع الناس التي لم تعد تحلم بالمستقبل لأنها لا تذوق طعم النوم من كثرة الهموم والوجع.
أنتم وحدكم، وحدكم أنتم أيها المسؤولين غير المسؤولين، ولا أحد غيركم أبداً بتاتاً يتحمّل المسؤولية الكاملة عن الحرائق التي التهمت مناطق المشرف والدبية والناعمة والشوف والمتن وعكار والنبطية وجبيل. أنتم الذين لا تستفيقون سوى في الانتخابات وتنامون باقي الأيام على وجع الناس والأزمات والانهيارات والحرائق والويلات... أنتم تتحمّلون مسؤولية النكبة البيئية والحرجية والإنسانية التي فتكت بالأشجار والبساتين ومنازل الناخبين وأرزاقهم... في رقبتكم دم كل جريح وحياة كل شهيد سقط محاولاً المساعدة في إطفاء الحرائق... في رقبتكم دموع كل أم وهلع كل أب هاربين من النيران... وفي رقبتكم رماد كل شجرة ونبتة وزهرة شربت نار تقاعسكم.
لبنان يحترق منذ سنوات على نار فسادكم الهادئة، وها هو اليوم يحترق فعلياً بنيران أتت في موعدها السنوي، ولم تجدكم حاضرين لمواجهتها، فرقصت وهاجت وامتدت وحرقت، ولم تفرّق بين خطوط طوائفكم الحمراء ولا بين جوامع وكنائس، ولا بين قرى مسيحية ودرزية وسنية وشيعية، فجمعت المقسومين بسياساتكم على لهيبها وهجّرتهم مجتمعين وموحّدين على خوف واحد.
كل شيء في البلد قوي... العهد قوي، والوزراء أقوياء، والنوّاب أقوياء، والزعماء، والمسؤولون، والأحزاب والتيارات والتحالفات قوية... كلّ شيء فيكم قوي باستثناء إنجازاتكم. دين البلد 100 مليار دولار وليس هناك أزمة واحدة نستطيع مواجهتها... دين البلد 100 مليار دولار ولا نستطيع سدّ حفرة في طريق أو إطفاء حريق في حرج، لا نستطيع شراء جلدة لحنفية مياه عمومية، ولا شرطيطون لشريط كهرباء مقطوع... دين البلد 100 مليار دولار وتجدون عشرات ملايين الدولارات لشراء مبنى شركة اتصالات، ولا تجدون نصف مليون دولار لصيانة طوافات كانت قادرة أن تنقذ أرواحاً وأملاكاً وأشجاراً.
أيها المسؤولون الأقوياء، تعرفون كيف توظّفون استعباطياً أزلامكم وناخبيكم في الدوائر الرسمية وتنهكون الدولة والشعب بمعاشاتهم، ولا تعرفون تخصيص ملاليم لدفع مستحقات شباب الدفاع المدني الذين أفنوا حياتهم من أجل إخماد النيران من شمال لبنان إلى جنوبه.
المسؤولون في بلاد العالم أجمع يقطعون سفراتهم الرسمية ويعودون إلى بلادهم في أوقات الأزمات.. أمّا أنتم، فلم يقطع أي منكم سفرته إلى عالم الأحلام ليتفقّد مكان حريق أو يطمئن على أهالي نازحين وهاربين من النيران.. وأنتم نائمون كان هناك مراسلون ومراسلات ومصوّرون، الذين يعملون في المحطات اللبنانية المأزومة مادياً، كانوا يبكون ويصرخون ويناشدون من بين النيران، ولولا جهودهم الجبارة ومخاطرتهم لما تحرّك أحد فيكم لمواجهة هذا الجحيم الملتهب بتقاعسكم.
يا ليتكم تخايلتم هذه النيران متظاهرين في وسط البلد، لكنتم وجدتم المياه لتفرقتها وإخمادها... يا ليتكم تخايلتم هذه النيران تهديداً طائفياً، لكنتم وجدتم الأموال والتحالفات لمواجهتها.. يا ليتكم تخايلتم هذه النيران سبائك من ذهب، لكنتم أنتم التهمتموها قبل أن تلتهمنا.
صرماية أصغر متطوّع في الدفاع المدني، وزرّ بدلة أصغر جندي في الجيش اللبناني، بتسوى كل خطاباتكم وتبريراتكم... ولا شكّ في أن جحيم هذه النيران يليق بكم يا شياطين السياسة.