إلا أن مشروع سعيد يتجاوز ملفي الدفاع والخارجية ليركز على إعادة تشكيل السياسة، بدعم الديمقراطية المباشرة.
ويقول الكاتب والمحلل السياسي باسل ترجمان لموقع "سكاي نيوز عربية"، إن تشكيل الحكومة ووضع ميزانية 2020، هما من أوائل القضايا التي تواجه سعيد.
مواجهة مع النهضة
وقبيل الانتخابات، تعهد سعيد بتقديم مبادرة تشريعية لتعديل الدستور، مما قد يسفر عن أزمة سياسية بينه وبين حزب حركة النهضة، حسب ما يقول ترجمان.
فالنهضة التي حلت أولا في الانتخابات التشريعية، جاءت إلى البرلمان عبر "القوائم الانتخابية"، وهي طريقة اقتراع تعهد سعيد باستبدالها بالاقتراع على الأفراد، معتبرا أنها "وحدها كفيلة بالتعبير عن الإرادة الحقيقية للناخبين".
ومن عبارة "الشعب يريد" اتخذ سعيد شعارا لحملته، التي عبر فيها صراحة عن رفضه للتحزب، ونأى بنفسه عن الانتماء لأي تيار سياسي.
ويعود السبب في أزمة التشكيل الحكومي التي تعانيها تونس هذه الأيام، بالأساس إلى القانون الانتخابي في الدستور الذي أقره المجلس التأسيسي عام 2014.
وانتقد ترجمان الدستور، قائلا إنه "أعرج، ويضعنا اليوم أمام أزمة"، وتساءل: "كيف ستتمكن النهضة وحلفاؤها من الحصول على 109 مقاعد كحد أدنى لتأمين نسبة (50+1) الضرورية لنيل الثقة لتشكيل الحكومة".
ويعقد انقسام البرلمان إلى كتل صغيرة، فرص تشكيل ائتلاف حكومي، وتزداد المخاوف من عدم التوصل إلى تشكيل حكومة في الآجال الدستورية.
فبعد أن تُفصل هيئة الانتخابات في الطعون المقدمة بشأن البرلمان، سيكون أمام حركة النهضة شهرين لتشكيل حكومة ائتلافية، وإذا فشلت في تشكيل حكومة، حينها يكلف سعيد شخصية سياسية لتشكيلها.
وإذا لم يتم تشكيل الحكومة بعد هذه الآجال، يحق للرئيس حل البرلمان ودعوة المواطنين لصناديق الاقتراع مجددا، لكن سيبقى أساس المشكلة، المتمثل في القوائم الانتخابية، قائما.
ويقول ترجمان إن نظام القوائم "أثبت فشله" في هذه الانتخابات التي ترشحت فيها 1592 قائمة انتخابية، في 330 دائرة، توزعت بين 707 قوائم مستقلة عن الأحزاب، و695 قائمة حزبية، و190 قائمة ائتلافية.
وأكد ترجمان أن بعض القوائم "تمت طباعتها دون أن يعرف أحد برنامجها"، مضيفا: "هذه الفوضى تهدد التجربة الديمقراطية".
وتابع: "تشكيل الحكومة في ظل النموذج الانتخابي الحالي لن يسمح لأي حزب أن يحقق الأغلبية أو أن يكون قربيا منها".
ورغم حصوله على عدد أصوات يفوق بكثير ما حصل عليه كل البرلمان المنتخب الأسبوع الماضي، فإن ما يعرقل مشروع سعيد بشأن تعديل الدستور وإلغاء نظام القوائم هو "شعبيته غير المؤثرة في التصويت داخل مجلس النواب، الذي تحول لكتل برلمانية صغيرة"، وفقا للمحلل السياسي.
وأضاف ترجمان: "المبادرة التشريعية من جانب سعيد لا تكفي لتغيير الأوضاع في تونس".
أزمة الميزانية
وترتبط أزمة التشكيل الحكومي بأزمة أخرى تتمثل في إقرار ميزانية 2020، التي من المفترض أن تكون على رأس أولويات الحكومة الجديدة.
وفي قصر قرطاج، اجتمع الرئيس المؤقت محمد الناصر بمجلس الوزراء، الاثنين، لمناقشة مشروع ميزانية الدولة لسنة 2020، داعيا الأحزاب والبرلمان إلى الإسراع بتكوين حكومة جديدة.
ومن المقرر أن تبدأ مناقشة الميزانية الشهر المقبل. وقالت الحكومة الحالية إنها ستبلغ حد 47 مليون دينار تونسي، وتحتاج إلى دين خارجي بقيمة 3 مليارات دولارات.
وبالنظر إلى ضرورة نقاش وتعديل المقترح المتعلق بالميزانية، قد تصل تونس إلى بداية 2020 دون أن تقر ميزانيتها، وفق ترجمان، فحكومة يوسف الشاهد ستنهي أعمالها قريبا، تحديدا عند إقرار النتائج النهائية للانتخابات، وستتحول إلى حكومة تسيير أعمال لن يكون بإمكانها تقديم مشروع ميزانية أو مناقشتها أو إعدادها للسنة المالية الجديدة.
واستطرد المحلل السياسي حديثه بالقول: "ستقع مسؤولية الميزانية الجديدة على البرلمان المنتخب حديثا، الذي لابد من أن يجتمع ويناقشها".
معركة إعادة بناء النظام السياسي
وفي أكثر من لقاء، ظهر سعيد وهو يصر على أن يكون القانون هو "الفيصل" في تونس. وفي المناظرة التي جمعته بمنافسه نبيل القروي، مساء الجمعة الماضية، قال: "القضاء المستقل خير من ألف دستور".
وعن تأثير هذا الإصرار على الفترة الرئاسية الجديدة، قال ترجمان: "سعيد رجل قانون ولا ينتمي لأي تيار سياسي، وبالتالي ينعدم لديه هامش المناورة، فلا يمكن أن يتنازل عن مبدأ قانوني مقابل مكسب سياسي".
يذكر أن الرئيس التونسي الجديد سيبدأ مهامه بمجرد أن يؤدي اليمين أمام البرلمان، في أجل لا يتجاوز الثلاثاء المقبل، إذا لم يطعن المرشح الخاسر، القروي، على نتائج الانتخابات، حسب ما قال سفيان العبيدي عضو هيئة الانتخابات.