لا يمكن لهذه الطبقة السياسية ان تستمر بهذه الدوامة ولا سيما بحال تفاقمتْ الأزمات التي تمس معيشة اللبنانيين اضافة الى موازنة 2020 وخياراتها الضريبية.
مع إطفاء حريق المحروقات، أشعل مستوردوا القمح وأصحاب المطاحن نارهم بدعوتهم الى إضراب تحذيري ، ما سيجعل الزحمة على أبواب الأفران، أكثر صعوبة مما كانت أمام محطات توزيع المحروقات. والأخطر من كل هذا امتداد أزمة الدولار الى سوق الأدوية، حيث لا يقل عن 95% من الأدوية في لبنان مستوردة.وكأن ما يجري من اضرابات واعتصامات وتحركات شعبية، ليس بريئا ولا عفويا، ولا هو رد فعل طبيعي على وضع استثنائي، كما يقال، إنما هو جزء من حملة مدبرة تستهدف البلد بأكمله وكأنه بات قدر اللبنانيون العيش على مزاج الطبقة السياسية .
ومن خلف ظهْر حال الاهتزاز المالي الاقتصادي والاجتماعي، الذي بات موجات متوالية من إضرابات واعتصامات،ولعل الامور تقف عند هذا الحد بل شكل اجتماع وزراء الخارجية العرب إشارات يُخشى معها أن تكون بيروت على مشارفِ استعادة اصطفافاتٍ داخلية على خط الانقسام الإقليمي الاستراتيجي حول الموقف تحديداً من النظام السوري، وما يرتّبه أي انفصال لبناني في هذا المجال عن المظلةِ العربية واعتماد سرعة خاصة به تسْبق الاتجاهاتِ الدوليةَ من مخاطر على مجمل الواقع الداخلي الذي يتلمّس طريقَه الشاقة للخروج من الازمة المالية بـ حبْل نجاة خارجي. وكأن الناي بالنفس ليس من ضمن البيان الوزاري .
وفيما كان لبنان على مدى الأسابيع الماضية لا هم له إلا الوضع المالي والاقتصادي وكيفية النجاة من انهيارٍ يخشاه الجميع ما لم يتم تَدارُكه بخطواتٍ ما زالت ممكنة، حضر المشهدُ الذي ارتسم خلال الاجتماع الطارئ لوزراء الخارجية العرب أمس، في القاهرة لبحث العدوان التركي على الأراضي السورية مع كلمة رئيس الديبلوماسية اللبنانية الوزير جبران باسيل الذي دعا لـ عودة سورية إلى مقعدها الفارغ منذ 8 سنوات في الجامعة العربية، سائلاً ألم يحن الوقت لعودة الابن المُبعد والمُصالحة العربية العربية؟.
إقرأ أيضًا:" لبنان والتوليف بين السياسة والاقتصاد "
وانتقد انتظار العرب الأضواء الخضراء من كل حدب وصوب، مُطْلِقاً إشارات اعتُبرت من بعض أوساط سياسية برسْم دول خليجية ومتفادياً في معرض الكلام عن الاعتداءات على بلدان عربية الإشارة إلى إيران.
وسريعاً طُرحت في بيروت علامات استفهام حول ما إذا كان كلام باسيل، يعبر عن موقف مجلس الوزراء، وهل يوافق رئيس الحكومة سعد الحريري عليه، ولا سيما أن ما أعلنه وزير الخارجية جاءَ ولم يكن جَفَّ بعد حبرُ تكرار الحريري من أبو ظبي التزام حكومته النأي بالنفس في معرض محاولته إعادة التوازن إلى الموقف الرسمي بعد مَظاهر تَفَوُّق حزب الله في جر البلاد إلى خياراته الاستراتيجية، وذلك في إطار العملية الصعبة التي يقودها لاستنهاض الدعم الخليجي والدولي للبنان في مسيرة الإنقاذ المالي.
وإلى جانب مقاربة البعض مواقف باسيل من زاوية ما يمكن أن تسبّبه من متاعب خارجية للبنان، فإن هذه المواقف فرضتْ أسئلةً حول تداعياتها ليس على الوضع الحكومي المستنفَر لمواكبة الإصلاحات الشَرْطية للاستفادة من الدعم الخارجي،فحسب بل على عموم اللبنانيين ولا سيما أن الجلسة الأخيرة لمجلس الوزراء كانت شهدت سجالاتٍ حول انتداب وزيرٍ للتواصل المباشر والرسمي مع النظام السوري حول سبل الاستفادة من معاودة فتْح معبر البوكمال بين سورية والعراق بين مؤيِّد ومُعارِض، ناهيك عن تحوُّل زيارة لوفد من نقابة المحررين اللبنانيين لدمشق مادة سجال والتي انتقدها وليد جنبلاط.
وجاءت اطلالة باسيل في الجامعة العربية، غداة الكشف عن لقاء لنحو 8 ساعات جمعه مساء الخميس، مع الأمين العام لـ حزب الله السيّد حسن نصر الله وخُصص للبحث في التطورات الإقليمية وخصوصاً المحلية .
ان بروز العناوين السياسية الخلافية لم يحجب الأنظارَ عن المَظاهر المتدحْرجة للأزمة المالية وتحديداً لشحّ الدولار في الأسواق والذي بات يستولد فوضى متنقلة في قطاعات حياتية دخلت حلقة إضراباتٍ أعادت البلاد إلى مشهد طوابير زمن الحرب، كما حصل أمام محطات البنزين التي توقّفت عن العمل لساعاتٍ قبل أن يجري حلّ بعض النقاط التي كانت تطالب بها شركات استيراد النفط في ما خص آلية توفير الدولار المدعوم بالسعر الرسمي نحو 1507 -1515 ليرة من مصرف لبنان لتغطية تكلفة استيراد المحروقات والقمح والدواء ما أدى إلى فكّ الإضراب الذي سيتمدّد إلى قطاع الخبر مع احتجابِ الأفران عن العمل لعدم قدرتها على الصمود ووقوف قطاع الدواء على أبواب أزمة.
وتأتي هذه الفوضى مترافقة مع التظاهر في الشارع الذي يحصل منذ ثلاثة أسابيع موعداً كل أحد مع احتجاجات يُخشى أن تتحوّل الى كرة ثلج يمكن أن تاخذ البلاد في اتجاهات سلبية، لانه لا يمكن لهذه الطبقة السياسية ان تستمر بهذه الدوامة ولا سيما بحال تفاقمتْ الأزمات التي تمس معيشة اللبنانيين اضافة الى موازنة 2020 وخياراتها الضريبية.