سبق لجنبلاط أن دعا الرئيس ميشال عون الى زيارة المختارة، ولم يلبِّ عون الدعوة، وفي الوقت نفسه، دعا باسيل النائب تيمور جنبلاط الى زيارة عرض فيها التحالف السياسي، لكن كل ذلك ذهب ادراج الرياح، وكانت النتيجة عودة الانتعاش الى علاقة العهد مع النائب طلال ارسلان، بعدما اتت مصالحة قبرشمون على حسابه، وهي المصالحة العشائرية التي رعاها الرئيس نبيه بري، وكان الرئيس عون يرفض مجرد السماع بها.
ماذا حصل؟ ولماذا انقلب سحر بيت الدين على ساحر الخلاف المستجد؟ وما هي الأسباب؟
الواضح أن الكيمياء المفقودة بين عون وجنبلاط، لا تزال تؤدي دوراً أساسياً، في الجفاء المغلّف بواقعية سياسية يمارسها جنبلاط حصراً. تروي إحدى الشخصيات المنتمية الى 14 آذار أنّ جنبلاط عندما زار العماد عون في باريس عام 2005، قبل عودته الى بيروت، لم «يصمد» عند عون اكثر من 10 دقائق. وتضيف: رافقته الى مدخل منزل عون، وسعيت الى مقهى قريب متوقعاً أن انتظره ساعة او ساعتين، وما كدت أجلس الى الطاولة، حتى رأيته «قبالتي»، وانتهى لقاؤهما قبل أن يبدأ، إنها الكيمياء المفقودة.
وفضلاً عن الكيمياء المفقودة، لا بدّ من تتبع ما حصل بعد المصالحة الجنبلاطية مع العهد، إذ تشير مصادر مطلعة الى ان جنبلاط قرر تسليم جميع المطلوبين في قضية قبرشمون، كما تم الاتفاق عليه، وهم 13 مطلوباً سلموا جميعاً، في حين أنّ المطلوبين من الطرف الارسلاني الذين تم الاصرار على كونهم شهوداً، سلموا واطلقوا في اليوم نفسه، على الرغم من اعتراف بعضهم بأنهم اطلقوا النار، ورست الامور على اقتصار التوقيف على مناصري جنبلاط، دون مناصري ارسلان، وعلى الرغم من الوساطات التي تولاها الرئيس نبيه بري كونه راعي المصالحة، لم يصحح الوضع، ما اغضب جنبلاط الذي شعر بأنه تمّ النكث بالاتفاق والمصالحة.
وما اغضب جنبلاط ايضاً وجعله يخرج عن صمته، حملة التوقيفات التي طالت مناصريه، حيث أوقف البعض منهم أسبوعاً، وأوقف آخرون لمدد مختلفة، بتهمة إهانة رموز الدولة، فيما كان مناصرو «التيار الوطني الحر» يشنون على جنبلاط شخصياً وعلى نوابه وقيادات الاشتراكي وشخصيات سياسية اخرى حملات استعملت فيها الكثير من التعابير التي استعملها مناصرو الاشتراكي، ما حداه على التوجه الى العهد بالقول : علموا مناصريكم الادب.
وما اغضب جنبلاط ايضاً هو اتهامه مجدداً بأنه عضو في «ترويكا» تريد إضعاف العهد، واتهامه أيضاً بمسؤوليته مع آخرين عن الانهيار الاقتصادي، وذلك على طريقة نبش القبور والتنصل من مسؤولية الأداء الذي اوصل البلد الى حافة الازمة، هذا الاداء الذي لا يمكن وضعه الّا في خانة العبثية في ممارسة السلطة، والاوهام التي تنتظر نتائج جيدة من ممارسات سيئة.
على الارجح لن يتوقف جنبلاط عن القصف الثقيل ما دام يشعر بأن العهد يستهدفه، والعبرة التي استخلصها من حادثة قبرشمون ان هذا المسار يضع لبنان في عين العاصفة، ففي تلك الحادثة كان المقصودَ اقصاؤه على طريقة الالغاء، فصمد، ولن يقلّ اصراره على الصمود بعد حادثة قبرشمون، فهذه المواجهة لا تتيح له الكثير من الخيارات، فصحيح ان أزمة قبرشمون عبرت، لكن معادلة «إن عدتم عدنا»، تصلح لوصف مرحلة ما بعد تلك الازمة.