ليس المواطنون وحدهم من يحبّ الجراد، ولا اليمنيون وحدهم أيضاً. تعود بي الذاكرة الآن إلى يوميات الأديبة الكويتية فاطمة حسين عن الحياة في الكويت في طفولتها. وكيف كان الجراد طعاماً مفتخراً ينتظر الناس وصوله كما ينتظرون المطر أو النسائم. لكن هنا، يتحدّث علي ناصر محمد عن حكاية رئيسين مع هذه الأكلة الطيّبة: «وبعد هذا الحديث عن الجراد، أذكر أنني كنت في صنعاء برفقة الرئيس علي عبد الله صالح، الذي كان يقود بنفسه وخلفه رتل من السيارات، وعندما شاهد مكاناً لبيع الجراد، توقف وأمر بشراء شوالين من الجراد، وانتقلنا إلى دار الرئاسة وافترشنا الأرض، وأُفرغ الشوالان من الجراد على بطانيات خاصة، وشكّلنا حلقات حول الجراد لنأكله والناس يضحكون وعلي عبد الله صالح يردد: هذا هو الجمبري المشوي. الجراد يرعب العالم. ويرعبه اليمنيون حيث إن اليمنيين كانوا يعتقدون أن الجراد علاج لكل داء، للنظر والسكر ومرض القلب ولكل شيء. لذا، قرر اليمنيون أن الجراد جدير بالأكل وليس بالرعب والخوف، وأن الجراد يتغذّى بأفضل أنواع النباتات، والتهامه يوفّر لآكله مادة البروتين».
يقول المثل الإنجليزي إن «بيت البريطاني هو قلعته». ويبدو أن أصحاب هذا القول لا يعرفون شيئاً عن بيوت اليمن. إليكم كيف يصفها الرئيس المؤرّخ: «المساكن في هذه المنطقة أقرب ما تكون إلى القلاع العسكرية التي لا مكان فيها للنوافذ، إلا فتحات صغيرة يمكن منها مشاهدة القادمين، سواء كانوا من الأعداء أو الأصدقاء.
وهي فتحات صغيرة، بالكاد تكفي لإدخال ماسورة البندقية وإطلاق النار على العدو منها. وعادة ما تكون البنادق بدائية لا تكفي لإرداء الخصم قتيلاً، ولا يصيبه رصاصها إلا في بعض الأحيان، وخاصة بندق أبو فتيلة، وهو من الأسلحة التي صُنعت في القرن التاسع عشر. وكثيراً ما يلجأ المرء إلى استخدام السلاح الأبيض للإجهاز على عدوّه خارج هذه المنازل - القلاع، أو على أبوابها. أما العدوّ، فمن الصعب عليه اصطياد خصمه عبر هذه النوافذ الصغيرة، ولهذا يلجأ الخصوم إلى وضع الكمائن في الطرقات بين القرى، أو في الطريق إلى المسجد، أثناء السير إلى عدن سيراً على الأقدام. وتُبنى هذه البيوت من الحجارة، يبنيها بنّاؤون معروفون في هذه المنطقة، كابن فرج وآل ابن صلاح، يأتون من يافع، وهم أكثر البنّائين خبرة ومهارة في بناء مثل هذه الحصون والقلاع. وكذلك ابن مطعم، وابن القمع، وفي ذاكرتي بعض ملامح حياتي الأولى، فما زلت أذكر المنزل الذي كنّا نعيش فيه».