لم يحكم النظام السوري لبنان بدباباته وجيشه حصراً، بل بقانون الانتخاب الذي وضعه عام 1992 وأتاح له الإمساك بمفاصل الدولة اللبنانية السياسية والعسكرية والأمنية، واضعاً القوى المعارضة لدوره على هامش الحياة السياسية.
لم يردّ النظام السوري على كل مَن راجَعه بضرورة تأجيل إجراء الانتخابات صيف عام 1992، خصوصاً أنّ تعيين حوالى 40 نائباً صيف عام 1991 يسقط مبرّر إجراء الانتخابات، فضلاً عن أنّ اتفاق الطائف نَص على إعادة انتشار الجيش السوري إلى البقاع بعد سنتين على إقرار الإصلاحات الدستورية، أي في خريف عام 1992.
وبالتالي، كان يفترض إجراء الانتخابات بعد تنفيذ خطوة الانتشار بغية الحدّ من تأثيره وتدخلاته، ولكنه أسقط كل المطالبات بتأجيل الانتخابات وأصَرّ على إتمامها من أجل تعجيل الإمساك بمفاصل السلطة خشية اي تطورات إقليمية تفرض عليه إعادة الانتشار، ومن ثم الانسحاب، ربطاً بمسار مدريد للسلام.
ولا تختلف صواريخ «حزب الله» عن دبابات الجيش السوري، حيث انّ الحزب يحتاج الى الإمساك بمفاصل السلطة بمعزل عن سلاحه، وكل محاولاته العسكرية والسياسية منذ عام 2005 لم تفلح في تحقيق أهدافه المرجوّة، فيما مسار العقوبات عليه وعلى مرجعيته في طهران يقلقه كثيراً في ظل الكلام مبدئياً عن ثلاثية أهداف أميركية: نووي، باليستي ودور إيران في المنطقة. وبالتالي، يريد الحزب الإمساك بزمام الأمور سلطوياً بمعزل عن اي تغييرات او تبدلات إقليمية محتملة.
وعلى هذا المستوى لا مفر من العودة إلى النبع، أي إلى العقل السوري الذي حكم لبنان، وإعادة استنساخ تجربته التي بدأت مع قانون الانتخاب عام 1992 الذي ضمنَ من خلاله موقف لبنان الرسمي إلى جانبه وشكّل ضمانة لتشريع استمرار وجوده في لبنان وتغطيته. وهذا الموقف نفسه، إذا نجح الحزب بضمان الأكثرية النيابية، سيشكّل الضمانة لتشريع استمرار سلاحه ودوره وتغطيتهما بحجة كونها إرادة الشعب اللبناني.
لذلك، يتطلع الحزب إلى القانون الذي يتيح له انتزاع أكثرية الثلثين في مجلس النواب من أجل التحكّم بمسار الحياة السياسية في لبنان من تكليف رؤساء الحكومات، إلى تأليف الحكومات وانتخاب رؤساء الجمهوريات وتعديل الدستور، وصولاً إلى التعيينات على أنواعها في شتى المؤسسات.
ومعلوم أنّ مجلس النواب هو حجر الزاوية في تركيب كل السلطة، وبالتالي أمام صعوبة، بل استحالة تعديل الدستور الذي يتطلّب ظروفاً داخلية وخارجية غير متوافرة، خصوصاً أنّييييي أي تعديل لا يمكن تهريبه ولا إمراره على البارد، بل يستدعي تسخين المناخات السياسية وصولاً، ربما، الى «ميني» حروب داخلية أو حرباً بكل ما تعنيه الكلمة من معنى، وبما أنّ هذا الأمر غير متوافر وظروفه صعبة للغاية يبقى الحصول على الأكثرية النيابية من خلال قانون الانتخاب، على الطريقة السورية نفسها، أهوَن الخيارات.
أثار اقتراح كتلة «التنمية والتحرير» قانون انتخاب جديد التساؤلات عن توقيته وأهدافه، خصوصاً لجهة الدائرة الواحدة المرفوضة من شريحة واسعة من اللبنانيين، والوضع الاقتصادي السيئ الذي يتطلّب الاستقرار السياسي لا الانقسام العمودي.
لم يحكم النظام السوري لبنان بدباباته وجيشه حصراً، بل بقانون الانتخاب الذي وضعه عام 1992 وأتاح له الإمساك بمفاصل الدولة اللبنانية السياسية والعسكرية والأمنية، واضعاً القوى المعارضة لدوره على هامش الحياة السياسية.
لم يردّ النظام السوري على كل مَن راجَعه بضرورة تأجيل إجراء الانتخابات صيف عام 1992، خصوصاً أنّ تعيين حوالى 40 نائباً صيف عام 1991 يسقط مبرّر إجراء الانتخابات، فضلاً عن أنّ اتفاق الطائف نَص على إعادة انتشار الجيش السوري إلى البقاع بعد سنتين على إقرار الإصلاحات الدستورية، أي في خريف عام 1992.
وبالتالي، كان يفترض إجراء الانتخابات بعد تنفيذ خطوة الانتشار بغية الحدّ من تأثيره وتدخلاته، ولكنه أسقط كل المطالبات بتأجيل الانتخابات وأصَرّ على إتمامها من أجل تعجيل الإمساك بمفاصل السلطة خشية اي تطورات إقليمية تفرض عليه إعادة الانتشار، ومن ثم الانسحاب، ربطاً بمسار مدريد للسلام.
ولا تختلف صواريخ «حزب الله» عن دبابات الجيش السوري، حيث انّ الحزب يحتاج الى الإمساك بمفاصل السلطة بمعزل عن سلاحه، وكل محاولاته العسكرية والسياسية منذ عام 2005 لم تفلح في تحقيق أهدافه المرجوّة، فيما مسار العقوبات عليه وعلى مرجعيته في طهران يقلقه كثيراً في ظل الكلام مبدئياً عن ثلاثية أهداف أميركية: نووي، باليستي ودور إيران في المنطقة. وبالتالي، يريد الحزب الإمساك بزمام الأمور سلطوياً بمعزل عن اي تغييرات او تبدلات إقليمية محتملة.
وعلى هذا المستوى لا مفر من العودة إلى النبع، أي إلى العقل السوري الذي حكم لبنان، وإعادة استنساخ تجربته التي بدأت مع قانون الانتخاب عام 1992 الذي ضمنَ من خلاله موقف لبنان الرسمي إلى جانبه وشكّل ضمانة لتشريع استمرار وجوده في لبنان وتغطيته. وهذا الموقف نفسه، إذا نجح الحزب بضمان الأكثرية النيابية، سيشكّل الضمانة لتشريع استمرار سلاحه ودوره وتغطيتهما بحجة كونها إرادة الشعب اللبناني.
لذلك، يتطلع الحزب إلى القانون الذي يتيح له انتزاع أكثرية الثلثين في مجلس النواب من أجل التحكّم بمسار الحياة السياسية في لبنان من تكليف رؤساء الحكومات، إلى تأليف الحكومات وانتخاب رؤساء الجمهوريات وتعديل الدستور، وصولاً إلى التعيينات على أنواعها في شتى المؤسسات.
ومعلوم أنّ مجلس النواب هو حجر الزاوية في تركيب كل السلطة، وبالتالي أمام صعوبة، بل استحالة تعديل الدستور الذي يتطلّب ظروفاً داخلية وخارجية غير متوافرة، خصوصاً أنّييييي أي تعديل لا يمكن تهريبه ولا إمراره على البارد، بل يستدعي تسخين المناخات السياسية وصولاً، ربما، الى «ميني» حروب داخلية أو حرباً بكل ما تعنيه الكلمة من معنى، وبما أنّ هذا الأمر غير متوافر وظروفه صعبة للغاية يبقى الحصول على الأكثرية النيابية من خلال قانون الانتخاب، على الطريقة السورية نفسها، أهوَن الخيارات.
فلا يمكن النظر إلى هذا الموضوع سوى من خلال هذه الزاوية، في ظل الرهان على أكثرية مذهبية وتحالفات عابرة للطوائف قادرة، انطلاقاً من لبنان دائرة انتخابية واحدة، على قلب الطاولة رأساً على عقب وإعادة الوضع إلى ما كان عليه قبل عام 2005.
والخلاف على إلغاء الطائفية والديموقراطية العددية ليس مسألة مستجدة، إنما يعود إلى مطلع الجمهورية الأولى، وما استحال فرضه سابقاً سيستحيل تحقيقه اليوم، خصوصاً أنّ الديموقراطية العددية لم تعد هاجساً مسيحياً فقط، بل تحولت هاجساً عابراً للطوائف رفضاً لهيمنة «حزب الله» على القرار الوطني اللبناني.
ويعتبر اقتراح لبنان دائرة انتخابية واحدة مخالفاً لاتفاق الطائف من زاويتين: زاوية أنّ إجراء الانتخابات، وفق الطائف، يتم على «أساس المحافظة بعد إعادة النظر في التقسيم الإداري»، وزاوية ضرب التمثيل السياسي، فيما نَصّت وثيقة الوفاق الوطني على «ضرورة تأمين صحة التمثيل السياسي لشتى فئات الشعب وفعالية ذلك التمثيل»، والمقصود بالفعالية أن يكون النائب ممثلاً للمكوّن أو البيئة التي ينبثق منها، فيما وصول نواب على رافعات لا تَعكس توجّهات البيئة التي يمثّلونها يؤدي إلى ضرب فعالية ذاك التمثيل، وبالتالي انتهاك الدستور في نصه وروحه الميثاقية.
وإذا كان من غير الجائز تغيير قانون الانتخاب مع كل دورة انتخابية، لأنّ أحد جوانب الاستقرار السياسي يتعلق به، فإنّ القانون الحالي أعاد للمرة الأولى منذ اتفاق الطائف تصحيح الخلل الوطني - الميثاقي. وبما أنّ الاتفاق على قانون جديد يحقّق صحة التمثيل، وفعاليته مسألة متعذرة، فإنّ الخيار الأمثل يكمن بالإبقاء على القانون الحالي وتعديل ما أظهَرته الممارسة من شوائب من دون المَس بجوهره.
وأهمية هذا القانون انه يحقق صحة التمثيل للأقليات السياسية والطائفية، ويمنع على أي طرف الاستحواذ على الثلثين، ورفضه من قبل البعض نابع من كَشفه الأحجام والأوزان على حقيقتها، فضلاً عن أنّ القوى السياسية اعتادت عليه ويمكنها تحسين شروط تمثيلها وتحالفاتها في الدورة المقبلة.
وإنعاشاً للذاكرة فقط لجهة أنّ الوصول الى القانون الحالي وَلّد التوترات والانقسامات والتشنّج وصولاً الى التلويح بالتظاهر، وبالتالي أين المصلحة في هَز الاستقرار السياسي في لحظة أحوَج ما تكون فيها البلاد للاستقرار من أجل تجاوز القطوع الاقتصادي؟
ويبقى انّ ما نجح النظام السوري في تحقيقه من خلال أوّل انتخابات نيابية بعد اتفاق الطائف، لن ينجح «حزب الله» بتحقيقه لا عن طريق الذهاب مباشرة إلى تعديل الدستور، ولا عن طريق الذهاب مداورة إلى تغيير قانون الانتخاب وفرض الدائرة الواحدة وانتزاع الثلثين من أجل تشريع دوره وسلاحه بقوّة الشعب اللبناني والمؤسسات الدستورية.