إن مفهوم التعددية مفهوم واسع المعاني والأهداف والغايات، وقد تختلف النظرة إليه حسب ظروف الزمان والأمكنة. ونجده في التعددية السياسية والاقتصادية والدينية والثقافية. وكل هذه الأنواع من التعددية موجودة في كل بلد، تقريباً، بهدف رئيسي للمحافظة على الهوية الخاصة لكل فئة او مجموعة بشريّة، تنجح في مجتمعات وتفشل في أخرى، حسب تغول عناصر مختلفة، تجعل مشكلة التعدديّة صعبة الحل والتوافق عليها من بقية تجمّعات إثنية أو عقائدية، وحسب تقاليد وعادات ترسّخت وليس من السهل الفكاك منها ، رغم كل التقّدم والمستوى الحضاري الذي وصلت إليه البشرية، في كفاحها لقرون من أجل سعادة الإنسان.
والجميل في التعددية أنها ليست محصورة فقط في مجتمع معين أو دولة بعينها، كما ذكرنا. فالتعددية أيضاً موجودة حتى داخل البيت الواحد، بالرغم من قوّة الروابط العائليّة. وفي مدارسنا. من هنا يجب إظهارها من خلال المناهج التدريسّية، في شروحاتها حول الغنى الإنساني لوجود التعدديّة وليس المنهج الواحد الأبدي.
بهذا، يأتي دور الإعلام، بما له من سطوة وقوة وفعاليّة، محليّاً وعالميّاً، في نشر مفهوم التعددية وأهميتها في مجتمعاتنا ويأتي هذا الإهتمام في تجاوز التحديات واستثمار الفرص المتاحة لابراز بديلاتها الأفضل.
وكذلك، فإن بالإمكان استثمارها لتطوير ذاتنا وتطوير البيئة المحيطة. فقد تكون هناك فرص لإيجاد أفكار وأعمال ريادية. وأيضاً لطرح وجهات النظر المتعددة للتشارك في مسالة أو قضية ما، ولنشر مفهوم المواطنة الفاعلة الإيجابيّة، وليست تلك المتناحرة، وكذلك الإرتقاء بمعنى المواطنة العالمية في سبيل السلم والتعاون وليس تغوّل قوى دولية أو تغوّل رأس المال وإفقار الشعوب ، باكتساب خبرات ومهارات ووجهات نظر وطنيّة وعالمية. ومن ثم توطيط تقبلنا لبعضنا البعض وبين المجتمعات المتعدّدة. فتقبل اختلافاتنا وتحد من إطلاق الاحكام المسبقة والصورة النمطية.
إن وجود التعددية يعطي ويضيف لاي مجتمع نكهه خاصة به، من حيث اثنيّاته وعقائديّته وحتى طبقاته. من هنا علينا أن ندرك أن الإعلام الحديث والرقمي بالاخص والتقليدي، بما له من قدرة على تكوين رأي عام، عليه مسؤولية في اظهار التعددية بطريقة إيجابية. وصد كل ما يعرض من خطاب كراهية وتعصب وغلو، من خلال الحقائق والبراهين والدلائل، في تطوّر العقل والأحاسيس وسلوك التعاون، والاستعانة، ولا بد، بالقانون.
وهذا ما تم تناوله والحوار حوله، قبل عدة ايام، خلال استضافتي على إذاعة الأمن العام، اف ام، ببرنامج الأمن والإعلام، والذي يقدمة الرائد القدير رائد السعودي. فخلال الحلقة استقبلنا العديد من المكالمات الهاتفية ورسائل عبر تطبيق وتس اب، وتساءل بعض المستمعين عمّا إذا كنّا نحن، حقاً، يتقبّل واحدنا الآخر ؟ وهل وصل بنا الحال أن نتقبل بعضنا البعض دون أي نوع من أنواع التمييز؟ وماذا عن خطاب الكراهية والغلو الذي نشاهده وهو ينخر أوبئة في الجسد الوطني الواحد ، عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وكيف علينا التعامل مع هذه الخطابات ولو كانت فردية، وماذا عن مشاركة البعض لهذا الخطابات، دون أي إدراك لمعرفة نتائجها السلبية والمضرة بالفرد وبالمجتمع؟ وماذا عن الحوار الخفي والذي اصبح يعد حواراً ذا وجهين ؟ وأين نحن من التزاماتنا الأخلاقيّة، والتي تحض عليها دياناتنا في الحوار مع الآخر؟
كل هذه التساؤلات تطرح في ذهن المواطن وإن دلت على شيء فهي تدل على أننا بحاجة الى العديد من البرامج الإعلامية الثقافية لتوعية المستمع والمشاهد والمتابع لمواقع التواصل الإجتماعي، وكذلك، كما نكرر باستمرارعلى تسليط العمل على أهمية التعدد، وكيف يمكننا أن نستثمر وقتنا وطاقاتنا في إظهار الصورة المثالية والعيش بها وبأننا مجتمع واحد يجمعنا الوطن، وأن الواجب تجاوز التصورات الموروثة المغلوطة، واحترام خصوصية الآخر والابتعاد عن العنصرية والتمييز واحترام حقوق الآخر. فحقوق الإنسان مترابطة بعضها مع بعض للمحافظة على الكرامة الانسانية .
وانهي واقول إن ما يتم تدواله عبر الإعلام وخاصة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، إنّما يعبر عن نفس الانسان وصورته الشخصية في الحياة.