عقد «تجمع أصحاب المطاحن في لبنان» اجتماعاً أمس، لبحث أوضاع القطاع «في ظل التطورات المستجدة، ولاسيما تلك المتعلقة بتأمين الدولار الاميركي لاستيراد القمح المخصّص لصناعة الخبز العربي، مُتوقّفين عند التدابير التي اتخذها مصرف لبنان، والتي لم تعالج المشكلة في قطاع المطاحن، ولم يتم تعديلها لتلائم استيراد القمح».
يشكو أصحاب المطاحن من انّ تعميم مصرف لبنان، الصادر في الاول من الشهر الحالي والذي أجاز للمصارف فتح اعتمادات بالدولار الاميركي لمستوردي المحروقات والادوية والقمح، لا يحلّ أزمة المطاحن لأنّ الاخيرة، وفقاً لِما أوضح بشار بوبس صاحب مطاحن لبنان الحديث لـ«الجمهوريّة»، لا تعتمد في عمليات استيراد القمح على وسيلة فتح الاعتمادات المصرفية بل تَتّبع طريقة السيولة مقابل المستندات cash against documents. وبالتالي، تقوم بتحويل الاموال مباشرة عبر المصارف الى المورّدين مقابل إرسال اوراق الشحن، وبالتالي لا يتم فتح أي اعتمادات.
وأوضح بوبس انّ تعميم مصرف لبنان شَملَ مستوردي القمح، لكنه لم يحدّد آلية يمكن ان يعتمدوها للاستيراد من دون فتح اعتمادات مصرفية.
وذكر بيان تجمّع أصحاب المطاحن، أمس، انّ «المصارف تمتنع عن اعطائنا الدولار، خصوصاً أنّ هناك كميات من القمح تم استيرادها سابقاً، وكيفية احتساب المستحقات المتراكمة على أصحاب المطاحن للمصارف بالدولار الاميركي، والديون المستحقة على الافران لصالح المطاحن... هذه الامور ما زالت غير واضحة ومُبهمة، ما يدفع أصحاب المطاحن الى البحث عن حلول تحافظ على ماليتهم».
أضاف البيان: «لذلك، وبما أننا لم نلمس اهتماماً من المسؤولين، نرى أنفسنا مضطرّين للاستمرار ببيع الطحين وقبض ثمنه بالدولار الاميركي من الزبائن، علماً أنه يتعذّر على هؤلاء الدفع بالدولار ما قد يؤدي الى أزمة خبز».
وناشَد التجمع جميع المسؤولين «العمل على إيجاد الحل المناسب لقطاع المطاحن، لكي يتمكن من الاستمرار في تأمين حاجة البلاد من مادة أساسية كالقمح»، لافتاً الى أنّ «احتياط القمح المخزّن لدى المطاحن انخفض بشكل خطير، وبات لا يكفي حاجة البلاد لأكثر من شهر ونصف»، موضحاً أنّ «أصحاب المطاحن لا يستطيعون استيراد مادة القمح في ظل الظروف الاقتصادية الراهنة».
من جهته، شرح رئيس نقابة الصناعات الغذائية أحمد حطيط لـ«الجمهورية» انّ المصارف أبلغتهم، كمستوردين للقمح، انّ التعميم لا يشملهم ولا يستطيعون الافادة منه. ولفتَ الى انّ الآلية التي يعتمدها اصحاب المطاحن لاستيراد القمح، تقضي باستدانتهم كامل قيمة شحنة القمح بالدولار من المصارف وتحويلها الى المورّدين، مقابل تسديد قيمة هذا القرض للمصرف ضمن فترة 6 أشهر. وقال انّ الأزمة اليوم، في ظلّ فقدان الدولار من الاسواق، وامتناع المصارف عن استيفاء أموالها بالليرة اللبنانية، تمنعهم من تسديد مستحقاتهم السابقة، وتأمين دولارات اضافية لأيّ عملية استيراد جديدة. كما شرحَ حطيط انّ المستوردين، حتى لو أرادوا الافادة من آلية التعميم، فهم غير قادرين على تنفيذ شروطه، لجهة تأمين 100 في المئة من قيمة المبلغ بالليرة و15 في المئة منه بالدولار، بسبب مستحقاتهم الشهرية القديمة للمصارف.
في المقابل، ومع اضطرار اصحاب المطاحن الاستمرار ببيع الطحين وقبض ثمنه بالدولار الاميركي من الزبائن، بدأت الأزمة تؤثر على عمل المخابز والافران التي باتت مُلزمة بدفع حاجاتها من القمح بالدولار، ما يكبّدها أكلافاً إضافية لا يمكن ان تعوّضها كغيرها من التجّار عبر رفع الاسعار، كونها ملزمة بالسعر الرسمي لربطة الخبز المحدد عند 1500 ليرة لبنانية.
في هذا الاطار، قال رئيس اتحاد نقابات المخابز والافران كاظم ابراهيم لـ»الجمهورية» انّ من حقّ أصحاب المطاحن الاشتراط على الافران والمخابز الدفع بالدولار الاميركي، لأنّ المصارف تمتنع عن تحويل أموالهم من الليرة الى الدولار من أجل الاستيراد.
وقال انّ الافران والمخابز تبيع منتجاتها بالليرة اللبنانية، ولا تستطيع تأمين الدولارات لأصحاب المطاحن، ما يضع القطاعَين أمام حائط مسدود، «وسيؤدي بالتالي الى توقّف أصحاب المطاحن عن العمل، والى إعلان المخابز والافران الاضراب».
وأعلن ابراهيم انّ اتحاد نقابات المخابز والافران يعقد جمعية عمومية يوم غد، وفي حال لم يتأمّن الحلّ لأزمة استيراد القمح «فإنني لن أدعو للتظاهر والاعتصام، بل سأسَلّم هذا القطاع للدولة، ولتَرَ بأمّ عينيها نسبة الربح التي تحققها الافران والمخابز في ظلّ ارتفاع الاكلاف». وشدد على انه «في حال بقي الوضع على ما هو عليه اليوم، فإننا سنعلن الاضراب».
وأشار الى انّ الافران والمخابز التزمت الصمت منذ شهرين، على رغم الصعوبات المالية التي تمرّ بها بسبب الاعباء المُستجدّة، «لكن لم يعد في إمكاننا الصمود، خصوصاً اننا تبلّغنا منذ يومين برفع سعر طن الطحين بمعدل 20 دولاراً، الأمر الذي يرفضه أصحاب المخابز والافران، في ظل الظروف الاقتصادية الراهنة التي تمرّ بها البلاد وغياب المعالجات الرسمية».
وفيما أشار ابراهيم الى انّ سعر ربطة الخبز حُدّد بـ 1500 ليرة، وفقاً لدراسة تمّت منذ 5 سنوات، ولم يتغيّر منذ حينها رغم ارتفاع أكلاف كافة عناصر صناعة الرغيف، قال: «اننا لن نسكت هذه المرة، وسنطالب بحقوقنا. عندما يكون اقتصادنا موجّهاً، من المفترص أن يقابله الدعم من قبل الحكومة، وإلّا لماذا تلزموننا بأسعار محدّدة؟».