السفير الروسي في بيروت ألكسندر زاسبيكين ليس متفائلاً هذه الأيام. تجربته اللبنانية ومتابعته لشؤون المنطقة متابعةً دقيقة وضعت بين يديه خلاصةً سياسية، مفادها أن الانفراجات لن تكون قريبة في معظم ساحات المنطقة. في التوصيف العام، يعود زاسبيكين إلى كلام الرئيس فلاديمير بوتين قبل أيام رداً على سؤال عن تحديات المرحلة الحالية والمقبلة، حين قال إن «الأمور تزداد صعوبة».
سريعاً، يستعرض الدبلوماسي أزمات العالم، والدور الأميركي في خلقها. من فنزويلا، إلى القارة الإفريقية، إلى آسيا وأوروبا وأوروبا الشرقية وأوكرانيا، والشرق الأوسط، يستخلص أن الأميركيين يناقضون تماماً الرؤية الروسية، التي تقوم على أساس احترام سيادة الدول والقانون الدولي.
ومن هذه الأزمات، يضيّق زاسبيكين مجهر تحليله إلى الوضع اللبناني. فهو، وإن كان يدرك تماماً حجم الأزمة الاقتصادية الخانقة في البلاد، المتراكمة منذ سنوات طويلة، إلّا أنه يصف ما يحصل في أزمة العملة الأجنبية والشروط السياسية الاقتصادية على البلاد، بالخطّة الأميركية لإحداث الفوضى في لبنان. والفوضى، كما يريدها الأميركيون، هدفها ضرب حزب الله في لبنان ومِن خلفه خصوم أميركا في المنطقة. ويعطي مثلاً على ذلك، أن مجموعة العمل لأجل لبنان، والمُشَكَّلة من سفراء الدول الخمس الكبرى، كانت دائماً تضع في بندها الأول، مبدأ الحفاظ على الاستقرار الداخلي والوضع الأمني. لكنّه أخيراً، بات يشعر بأن الأميركيين يهملون هذا المبدأ، وهم في خطّتهم التي توصل إلى انهيار الوضع الاقتصادي وحصول غليان شعبي، إنّما يهددون استقرار لبنان في حربهم لتطويع خصوم أميركا، بدل الحفاظ على هذا البلد وحمايته.
لكن ألا تتأثر المصالح الأميركية في حال انهيار لبنان؟ يردّ زاسبيكين على السؤال بسؤال: في حال الانهيار الاقتصادي وانهيار الدولة، ما هي الجهة الوحيدة التي ستحافظ على تماسكها؟ ثم يجيب السفير على نفسه: إنه «حزب الله». من هنا، لا يتوقّع الدبلوماسي المخضرم ألا يغامر الأميركيون إلى هذا الحدّ، وسيحاولون إبقاء البلاد تحت الضغط والأزمة، والثبات على شفير الانفجار.
ومن لبنان، يناقش السفير الصراع في الخليج، من زاوية استبعاده حدوث الحرب، لكلفتها الباهظة على الجميع. لكنّه لا يرى أن الموقف الخليجي باعتبار إيران «شراً مطلقاً» مفيد لفتح باب الحوار بين الجانبين والبحث عن آليات للعمل المشترك بدل تبادل الاتهامات والحروب في الساحات، مؤكّداً أن الأحداث باتت تستوجب حواراً إيرانياً ــــ سعودياً من دون خلفيات مسبقة، ومشيراً إلى أن الأميركيين يستفيدون من هذا الصراع للسيطرة على أموال الخليج.
أما في أوكرانيا، فيشرح السفير كيف أن الأزمة، بعد الاتفاق بين الرئيسين بوتين وفولوديمير زيلينسكي، عادت لتتصاعد هذا الأسبوع وعاد القصف في دونباس، بسبب ضغوط القوى «النازية» على الرئيس الأوكراني الجديد، وهؤلاء مدعومون من حلف الناتو. وأوكرانيا ليست استثناءً في عمل الأميركيين على التحريض ضد روسيا في أوروبا الشرقية، وفي الجمهوريات السابقة في الاتحاد السوفياتي. إذ إن موجات العداء يجري تغذيتها في بولندا وفي دول الجوار، بالتزامن مع نشر الصواريخ وتعزيز القواعد العسكرية للناتو.
غياب التفاؤل عن لسان زاسبيكين لا يعني أنه متشائم. بالنسبة إليه، فإن حصاد روسيا كدولة في السنوات الأخيرة لا يستهان به لناحية تطوّر قدراتها العسكرية وعلاقاتها الخارجية، وعودتها كدولة ذات تأثير كبير على الساحة الدولية. وهنا في الشرق، يقول السفير إن علاقة روسيا مع سوريا وإيران أعطت نموذجاً عن كيف يحافظ الروس على تحالفاتهم، بنقيض الأميركيين الذين يتخلّون عن حلفائهم لأجل مصالحهم. ويؤكّد أنه بالإضافة إلى علاقة الصداقة والتحالف مع سوريا وإيران، فإن روسيا استطاعت أن تبني علاقات تعاون مع تركيا ودول الخليج، وأن الاقتصاد الروسي على الرغم من العقوبات والحرب الاقتصادية الأميركية، فإنه يحافظ على استقراره.