والوزير جريصاتي سائراً على سُنّة الحجاج، يخاطب أهل صيدا: ألا وإنّ الرئيس عون كبّ كنانته فعجم عيدانها، فوجدني أصلبها عوداً، فوجهني إليكم، فمن وجدتهُ بعد ثلاثة أيام لم يفرز نفاياته، لأقرعنّه قرع المروة، ولأضربنّه ضرب غرائب الإبل.
اكتسبت الظاهرة العونية وهجها وبريقها مطلع تسعينيات القرن الماضي من تبنّيها شعارات السيادة الوطنية والاستقلال والتحرير، هذه المُقوّمات المنتهكة من عهد الوصاية السورية على لبنان منذ بداية الحرب الأهلية اللبنانية عام ١٩٧٥، وغذّت العونية إيديولوجيتها ببُرقع شرعية الدولة وسلاحها بوجه لاشرعية الميليشيات المسلحة والمنتشرة على ضفتي بيروت الشرقية والغربية وكامل الأراضي اللبنانية، وبعد لجوء الجنرال عون إلى فرنسا بعد سقوط قصر بعبدا بيد القوات السورية، حافظت العونية على رفع شعاراتها القديمة مقرونةً هذه المرّة بالمظلومية، وعاد الجنرال عون إلى لبنان بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري، ليحظى بشعبية مسيحية دعمها ائتلاف سائر القوى السياسية الطائفية ضده في انتخابات العام ٢٠٠٥، ليستمرّ بعد ذلك صعود العونية في الحياة السياسية اللبنانية سواء منها البرلمانية والوزارية.
تُوّجت الانتصارات" العونية" بوصول الجنرال عون إلى سدة الرئاسة الأولى، وبعدها بدأ الفحص النقدي والجادّ للطروحات العونية "الوهمية"، والتي غذّت مخيال جمهور التيار الوطني الحر خلال ثلاثة عقود من الزمن، كان العونيّون يحكمون بقسوة على كلّ من سبقهم إلى سدّة الحكم، لأنّهم لم يكونوا مرتبطين بأية تبعية شرعية، أمّا اليوم فقد باتوا مباشرة في وجه احتجاجات المواطنين على سياساتهم "الشرعية" هذه المرة، وتبخّرت كل الوعود الزائفة والأحلام والأماني التي نثروها على جماهير وادعة وغافلة، وهاهم اليوم يلجأون لأسلحة القمع القضائي وحجز الحريات الإعلامية والتخوين الفكري بوجه المواطنين العُزّل، الذين طالما اطمأنوا لتلك الأحلام والأماني التي دغدغت مشاعرهم ردحاً من الزمن، ولم يبق أمام "الطغمة" العونية المُمسكة بتلابيب السلطة إلاّ وسائل محدودة: القمع العاري، والقبض على المكاسب الشخصية التي درّتها بقرة السلطة الحلوب، ولعلّ آخر إطلالة لوزير البيئة السيد فادي جريصاتي في مدينة صيدا، أمام فعاليات بلدية وإدارية ونيابية سوى صورة بائسة عن انحدار الخطاب العوني لهذا الانحطاط والاستفزاز: أي مواطن لا يقوم بفرز "نفاياته" الخاصة لا يجدر به أن يفتح فمه ليُطالب باجتراح حلول لمشاكل النفايات، هذا المواطن الذي يتوانى عن الفرز، هو مواطن "عاقّ"، فليخرس، ما يسمّعني صوته، وهاهو معالي الوزير قد اهتدى للحلّ السحري لمعضلة النفايات، الفرز ثمّ الفرز من المصدر، وما على المواطن سوى التّخلي عن الكسل والخمول الذين يُصاحبانه، على المواطن أن يكفَّ عن "النّق" والتّأفُف، أُفٍّ لكم من شعبٍ "رتش"، كاد أن يُعيدها معالي الوزير على مسامع الصيداويّين، أو كاد أن يتمثّل بقول سلفه الحجاج بن يوسف الثقفي عندما دخل الكوفة والياً عليها من قبل الأمويين: ألا وإنّ أمير المؤمنين عبدالملك بن مروان كبَّ كنانته فعجم عيدانها، فوجدني أصلبها عوداً، فوجّهني إليكم، فإنّكم طالما سعيتم في الضلالة، وسننتم سُنن البغي..والوزير جريصاتي سائراً على سُنّة الحجاج، يخاطب أهل صيدا: ألا وإنّ الرئيس عون كبّ كنانته فعجم عيدانها، فوجدني أصلبها عوداً، فوجهني إليكم، فمن وجدتهُ بعد ثلاثة أيام لم يفرز نفاياته، لأقرعنّه قرع المروة، ولأ ضربنّه ضرب غرائب الإبل.