يترك كلّ هذا انطباعاً لدى المتشائمين بأن تخبو قضيّة الخلوي بدوافعَ طائفيّةٍ وتوازنات سياسيّة، تماماً كما حصل سابقاً مع قضيّة «قطوعات الحسابات الماليّة»، بعدما اتّهم تيّار «المستقبل» خصومه بإثارته للنيل منه.
يشير هؤلاء المتشائمون إلى أنّ كلّ الوقائع تؤكّد أنّ هناك «حرتقة سياسيّة» يمارسها أكثر من طرف على أعمال اللجنة بهدف «تنفيسها» ومنعها من الوصول إلى مبتغاها. يضع هؤلاء استدعاء المدّعي العام المالي علي إبراهيم الوزراء الثلاثة من دون سواهم في هذا السياق، معتبرين أنّه يُحبط مشروع لجنة التّحقيق النيابيّة، باعتبار أنّ القضيّة أُحيلت إلى القضاء، فما الحاجة الى اللجنة؟
وفق هذا السيناريو، يعتبر هؤلاء أنّ تيار «المستقبل» لو تعاطى بـ«حكمة قانونيّة» مع الموضوع واستجاب وزيراه لدعوة إبراهيم، لكانا أسرعا في الإجهاز على اللّجنة، عبر تأكيدهما أنّ الموضوع صار لدى القضاء ولا حاجة حينئذ لاستماع اللجنة إلى شهادتيهما، أو حتى استدعاء ممثلي شركتي «تاتش» و«ألفا».
إذاً، الفريق المُروِّج فكرة أنّ اللّجنة قد أسلمت الروح، يعتقد أنّ قرار إبراهيم لم يكن لولا «أبّة باط» سياسيّة بعدما تمّ التأكّد من أنّ القضيّة تسلك مساراً جدياً.
يتساءل هؤلاء: «لماذا لم يتحرّك القضاء في الماضي، خصوصاً أنّ رئيس اللجنة السّابق النائب حسن فضل الله قد تقدّم بأكثر من إخبار قضائي حول عدد من القضايا؟».
في المقابل، يبدو أن اتّهام إبراهيم ليس في مكانه، على اعتبار أنّ قرار استدعاء الوزراء الثلاثة لم يكن بفعل اجتماعات اللجنة في شأن قضيّة الخلوي بل تزامَنَ معها. وفي معلومات لـ«الجمهوريّة» أنّ لغطاً حصل في هذه القضيّة، إذ أنّ الاستدعاء تمّ على خلفيّة ادعاء شخصي تقدّم به النائب جهاد الصّمد في شأن مخالفات تتناول قطاع الاتصالات، وخصوصاً «هيئة أوجيرو».
ويوضح الصّمد لـ«الجمهوريّة» أنّ هذا الملف الذي يتضمّن مستندات ووثائق قد تكوّنت إثر اجتماعات لجنة المال والموازنة النيابيّة التي استمعت إلى ممثلي شركتيْ الخلوي و«أوجيرو» في ملف التوظيفات السياسيّة. وعلى ضوئها، أثار الصّمد هذا الملف أمام الهيئة العامّة لمجلس النوّاب خلال مناقشة مشروع موازنة 2019، ما استدعى ردّ رئيس المجلس نبيه برّي الذي اعتبر كلام الصّمد إخباراً إلى النيابة العامّة.
ولأنّ الصّمد رفض أن يُنسى الإخبار في أدراج القضاء، قرّر أن يتقدّم بصفة الادّعاء الشخصي أمام وزير العدل الذي أحاله إلى النائب العام التمييزي والذي بدوره أحاله إلى المدّعي العام المالي، والأخير قد استمع في 27 آب الماضي إلى إفادة الصّمد الذي حمل ملفّه ومستنداته، مكرراً كلامه عن «مخالفات كبرى تحصل في قطاع الاتصالات».
وهذا ما يؤكّده وزير العدل ألبرت سرحان لـ«الجمهوريّة»، مشيراً إلى أنّه أحال الإخبار إلى مكتب النيابة العامّة التمييزيّة ليسلك مساره القضائي بناء على كلام برّي بعد إثارة الصمد هذا الملف في مجلس النوّاب، موضحاً أنّ الأمر توقف عند الإخبار وليس الادّعاء الشخصي.
وهذا الأمر يعني أنّ إطلاق «المستقبليَّين» النّار على «لجنة الاتّصالات» لم يكن في مكانه، وإن إشارتهما إلى أنّ القضيّة لم تسلك المسار القانوني غير صحيحة.
وانطلاقاً من هنا، يشير وزير الإعلام جمال الجرّاح إلى أن لا علم له بكتاب وزير العدل إلى النائب العام لدى محكمة التمييز، وعند اطلاعه على هذا الكتاب الذي حصلت عليه «الجمهوريّة»، لفت إلى أنّه لا يحمل توقيع وزير العدل «وأنا لا أعلم إن كان هذا الكتاب حقيقياً أم لا».
وعن موقف «المستقبل» في حال ثبُت أنّ الإخبار قد سلك المسار القانوني بإحالته من النيابة العامّة التمييزيّة إلى النيابة العامّة المالية، يشير الجرّاح: «سنتأكّد أولاً لنبنيَ على الشيء مقتضاه».
«العبرة في الخواتيم»
وفي أي حال، فإنّ الأولويّة لدى المعنيين في الخواتيم، أي وصول مشروع تشكيل لجنة التحقيق النيابية إلى الهيئة العامّة لمجلس النوّاب.
هذا ما يؤكّده النائب آلان عون ورئيس «اللجنة» النائب حسين الحاج حسن الذي يشدّد في حديث لـ«الجمهوريّة» على «أنّنا سنكمل عملنا في اللجنة بمهنيّة ولا نقوم باستهداف سياسي، بل نحاول تقويم قطاع الاتصالات بما يُمليه علينا واجبنا وبحسب الدستور والقوانين المرعيّة الإجراء»، لافتاً إلى أنّ «الإفادات التي أعطاها ممثلو شركتي الخلوي خلال جلسات اللجّنة واضحة كعين الشمس».
أمّا عن تصعيد نواب «المستقبل»، فيشير الحاج حسن إلى أنّ «لكلّ نائب أن يُعبِّر عن رأيه بالأسلوب الذي يُريده في إطار العمل البرلماني»، مفضّلاً الانتظار حتّى الهيئة العامّة.
وإذا كان البعض يعتبر أنّ المشروع لن يصل إلى الهيئة العامّة بسبب تراجع بعض القوى السياسيّة عمّا صرّحت به سابقاً في شأن تأييدها «اللجنة»، فإنّ البعض الآخر يعتقد أنّه لو تمّ تشكيل اللجنة التي سيرأسها مبدئياً نائب رئيس المجلس إيلي الفرزلي، فإنّ القوى السياسيّة ستعمد إلى إدخالها في «الكوما»، خصوصاً أنّ البعض يعترضون على طرح اسمه لرئاسة اللّجنة.