إساءة استخدام الحرية مثل استخدام الاستعباد. ولكن من يقرر ذلك؟ جهة واحدة: الفرد الذي أعطيها. بغير ذلك تصبح الحرية مجرد قطعة أثاث اهترأت من كثرة الاستعمال، ولم يعد ينفع فيها رتقاً أو صبغاً.
وأنا من المؤمنين جداً بالقول الكريم: «ولا تزر وازرة وزر أخرى». فالإنسان ليس مسؤولاً عن خطأ أو خطيئة أو فظائع سواه. لكن هذا لا يعطيه الحق في الدفاع عنها، أو اعتبارها هبة إلهية ومكرمة بشرية. ويحق للفاعل أن يوكل من يدافع عنه، حياً أو ميتاً، لكن لا يحق له استغفال القوانين والأعراف وبديهيات المفاهيم البشرية للسلوك الإنساني.
الخميس الماضي نشرت السيدة رغد صدام حسين، ابنة حاكم العراق لثلاثة عقود وأرملة والد أبنائها حسين كامل، فيديو عن قتل متظاهر في بغداد وصفته بأنه «اختراق لحقوق الناس وإساءة للإنسانية». وعلى طريقة المخرجين الكبار، اعتذرت سلفاً عن «قساوة المنظر». دائماً يسهى عن ذاكرتي اسم الشاعر اللبناني الذي قال: «قتل امرئ في غابة جريمة لا تغتفر... وقتل شعب آمن مسألة فيها نظر».
هناك محاولات من ورثة صدام حسين لتغيير الصورة التاريخية الراسخة عن حكمه. وهذا أيضاً حق من حقوقهم. لكن العائلة في حاجة إلى مهرة في صناعة الصور. الهواة يمتنعون. حفيدته حرير حسين كامل أصدرت كتاباً عن جدها المتقشف، الذائب حنواً على شعب العراق، الذي يسهر الليالي من أجل أن ينام العراقيون، من دون أن تذكر هامشاً رسمياً بسيطاً وهو أنه كان له 48 قصراً، تدار يومياً على مدى 24 ساعة لكي لا يحزر المتآمرون أين سيقضي الليل. ولما سُئل في ذلك، قال إنها قصور الشعب.
على صعيد الإنسانية التي تتحدث عنها السيدة رغد، الأحكام متروكة للناس. لكن يفزع ألا تصدر عنها كلمة في قتل زوجها، الذي أعطاه والدها الأمان لكي يعود من الأردن بعد خيانته السافرة له. تفسر الآنسة حرير ما حدث لوالدها تفسيراً لا سابق له في التاريخ المدون منذ السومريين: الوالد أعطاه الأمان القانوني، لكن علي حسن المجيد (الكيماوي) استأذن الرئيس بأن يقتله «عشائرياً»، في حضور عدي وقصي، وأفراد العشيرة.
ربما كان المشهد فظيعاً. لكنه لا يخرج عن الإطار العائلي، في حين أن مقتل متظاهر في بغداد مشهد لا يطاق. رقت القلوب!