في سالف الزمان، وفي بلادنا العربية والإسلامية كان عندنا من يدعو لحكم "المُستبدّ المستنير" '. ' 'Despotism eclaire وفي هذه الدعوة يظهر جليّاً أنّ الحاكم يجب أن يكون في صلاحٍ من أمره،بحيث تعصمه "الاستنارة" عن الفساد والبغي والخراب وسفك الدماء، وفي التاريخ الإسلامي غالباً ما يُقرن إسم الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه بالعدل المصحوب بالشدّة والغِلظة، فقد ضرب ظهر أبي هريرة وشاطرهُ ماله (وكان عامله على البحرين)، وأراد عمر أن يستعمل رجُلاً، فبادر الرجل فطلب منه العمل، فقال له عمر: لقد كُنتُ أردتُك لذلك، ولكن من طلب هذا الأمر لم يُعَنْ عليه، وفي الخبر: أنّ عبدالملك بن مروان أشرف على أصحابه وهم يذكرون سيرة عمر، فغاظهُ ذلك وقال: إيهاً عن ذِكر عمر! فإنّه إزراءٌ على الوُلاة مفسدةٌ للرّعيّة، بمعنى النّهي، وفسّر بعضهم قول الله عز وجل: ظهر الفساد في البَرّ والبحر، الفساد في البرّ والقحط في البحر، أي في المدُن التي على الأنهار.
من قراءة دروس وعِبر الانتفاضات العربية من تونس لمصر وليبيا واليمن وسوريا والعراق ولبنان والجزائر والسودان، تبيّن القاسم المشترك لهذه الانتفاضات، وهو الوقوف بوجه الفساد المستشري، المُسيّج بالاستبداد والبطش، والفسادُ هو نقيض الإصلاح كما جاء في لسان العرب لابن منظور، وعن قوله تعالى: ويسعون في الأرض فساداً، نَصَب فساداً لأنّه مفعولٌ له، أراد يسعون في الأرض للفساد، والمفسدة خلاف المصلحة.
يبدو أنّ مفاعيل الفساد في كلٍّ من العراق ولبنان هذه الأيام، وخروج المواطنين للشارع وسقوط الضحايا وتعالي صرخات المضطهدين الجائعين، ما بات يُنذر بأوخم العواقب، وأن لا خلاص لهذه الشعبين اللذين آذتهُما التدخلات الخارجية، إلاّ بخروج حاكمٍ مُستبدٍّ مُستنير، يجتثّ الفساد السياسي والاقتصادي والاجتماعي من على وجه الأرض، لتطيب بعد أن خبُثت، وتصلُح بعد أن عمّها الخراب.
يُروى أنّ العباس بن عبدالمطلب(عمّ النبيّ صلى الله عليه وسلم) طلب من النبي ولاية، فقال له: يا عمّ، نفسٌ تحييها، خيرٌ من ولايةٍ لا تحصيها.