عكست الساعات الماضية واقعاً صادماً، فألغام الأزمة تنفجر في كل القطاعات الواحدة تلو الأخرى، وكلّها تَمسّ حياة المواطنين. بدأت النذر بأزمة المحروقات، وها هي تهدّد الرغيف والدواء وتضع البلد على شفير تحركات احتجاجية ومطلبية.
وإذا كانت نقابة أصحاب الافران قد لوّحَت بالاضراب القسري، ومحطات البنزين بإضراب مفتوح ابتداء من الاثنين، وكذلك نقابة الصرّافين. وإذا كان تلويح هيئة التنسيق النقابية بالتحرك عنوانه «حقوقنا ومكتسباتنا خطوط حمراء»، ففي مقابل ذلك عَلت صرخة مرعبة، بموازاة صرخة الرغيف، على لسان مستوردي الأدوية.
الدواء
وعلمت «الجمهورية» أنّ مستوردي الأدوية رفعوا الصرخة أمس أمام بعض المسؤولين عن عدم تَمكّنهم من توفير الدولار من المصارف، لتأمين استيراد هذه المادة التي تتصل مباشرة بحياة اللبنانيين، وعلى وجه الخصوص المرضى من بينهم. وأبلغَ المستوردون المسؤولين في الدولة - ومنهم مَن زار عين التينة والتقى رئيس مجلس النواب نبيه بري لهذه الغاية - أنّ في الامكان تأخير استيراد أدوية وجع الرأس وما شابَه، ولكن ماذا عن أدوية الامراض المستعصية والخطيرة؟! لأنّ عدم استيرادها أو التأخير فيه معناه أننا نقول للمريض: متْ».
شهادة دولية
في جانب آخر، لم تعد السلطة بحاجة الى شهادة من اللبنانيين حول سقوطها في التقاعس والعجز عن إدارة ملف الأزمة وابتداع الحلول، ولا الشهادة التي قدّمتها المستويات الرسمية الرفيعة المستوى وفَرزت الحكومة بين وزراء ملائكة ووزراء شياطين، ذلك أنّ مِثل هذه الشهادة نالَتها بجدارة من وكالات التصنيف، بتخفيضها التصنيف الائتماني الى مستويات دُنيا، وهي قد نالتها مجدداً من البنك الدولي ومؤسسات دولية أخرى.
في هذا الاطار، علمت «الجمهورية» أنّ ما بلغته الأزمة الاقتصادية، كان مَدار بحث خلال الساعات الاربع والعشرين الماضية بين مسؤول كبير في مؤسسة مالية عالمية كبرى ومدير أحد «القطاعات الحيوية» التي تعاني مشكلة كبرى ومُزمنة. وبحسب المعلومات، فإنّ التقويم الذي قدّمه المسؤولون الدوليون كان سَوداوياً، وتضمّن انتقادات صريحة لسياسة الحكومة الاقتصادية والمالية، ووَصفها بالقاصرة، وأدنى بدرجات كبيرة عن المستوى المطلوب.
وبحسب المعلومات، فإنّ المسؤول الدولي خَلصَ الى قول ما حَرفيّته: «كل المؤسسات المالية الدولية تضع لبنان تحت المجهر، وقد أعطي المسؤولون في الدولة اللبنانية فرصة للقيام بخطوات وإصلاحات مُلحّة جداً، وقد وَعدوا بذلك، ولكننا لم نلمس شيئاً حتى الآن. لقد سبق لكل المؤسسات المالية الدولية، وخصوصاً البنك الدولي، أن وجّهت النصائح في اتجاه لبنان، وهذه المؤسسات لن تنتظر لبنان طويلاً. لذلك، نخشى، مع استمرار هذه السياسة وتَجاهل النصائح، أن يصل لبنان الى وَضع أشبَه ما يكون بالحجر الصحي».
بدأ الوجع
إلى ذلك، ومن الواضح أنّ زمن الوجع قد بدأ فعلياً بالنسبة الى المواطن الذي بات يشعر يومياً بثِقل الوَضع الشاذ، سواء على مستوى تراجع قدرته الشرائية قياساً بالسعر الفعِلي للدولار في السوق السوداء، أو على مستوى فقدان المواد الأولية. ويُشارِف الاسبوع الجاري أن يقفل على تَلبّد الغيوم، إيذاناً بهبوب العواصف في مطلع الاسبوع المقبل. فالأزمات تتفاقم بسرعة البرق، وتتراكم المطبّات التي توحي بالأسوأ، فيما تمضي السلطة التنفيذية في مقاربة المعالجات على طريقة السلحفاة، وتبدو كأنها خارج الحلول الحقيقية.
وعلمت «الجمهورية» انّ ما يتم طرحه حتى الآن من قبل الجانب الحكومي، لا يعدو أكثر من ترقيع لا يُلامس جوهر الأزمة، والاجتماعات التي تُعقد للجان الاصلاحات أو غيرها، لم تطرح أي حلول حقيقية، بل إنّ جُل ما يجري فيها ليس سوى رَمي أفكار لا تتصل بحلول لا قصيرة الأمد ولا متوسطة ولا بعيدة. إضافة الى مناقشات طويلة ومجادلات على أمور شكلية، على ما حصل في أحد الاجتماعات الاخيرة للجنة الاصلاحات، حيث تمكّنت، وبعد نقاش 4 ساعات، من تخفيض نحو 150 مليون ليرة في الموازنة فقط، وقد استغرق النقاش في تلك الجلسة حول وزارة تمكين المرأة 35 دقيقة، لتخفيض باب القرطاسية في هذه الوزارة من مليوني ليرة الى مليون!
واذا كانت الحكومة تسعى جهدها لإحالة مشروع موازنة العام 2020 الى المجلس النيابي قبل 15 الشهر الجاري، لإبعاد سيف وكالات التصنيف عنها، كما أكّد مسؤول كبير لـ«الجمهورية»، إلّا انّ مقاربة هذا المشروع من قبل الهيئات الاقتصادية والعمالية والنقابية يَكتنفها القلق الكبير ممّا يخبّئه حينما يصِل الى مجلس النواب.
وعلمت «الجمهورية» أنه في موازاة التأكيدات الحكومية بخُلوّ مشروع الموازنة من اي ضرائب او رسوم، فإنّ مسؤولين حكوميين أكدوا صراحة «انّ مشروعاً كهذا خالياً من أي ضرائب ورسوم لن توصلنا الى باب المجلس النيابي، بحيث انها لن تحقّق المَرجو منها، لأنها ستصل الى المجلس مجرّد أرقام. لذلك، لا بد من تضمينها سلة الضرائب، الآن، وذلك حتى لا نصِل الى وقت يَفرض علينا الخارج ان نفرض هذه الضرائب، لأنه ساعتئذ قد لا يكون لدينا المال الذي يمكننا من أن ندفع التزاماتنا الداخلية والخارجية».
وبحسب المعلومات فإنّ هذا النقاش بلغ الهيئات الاقتصادية والعمالية، وخَلص الطرفان الى التوافق على القيام بخطوات اعتراضية حيال «مجموعة الضرائب والرسوم التي يبدو انّ الحكومة ستأتي بها بالكميون»، على حَدّ الوصف الذي اجتمع حوله الطرفان اللذان أجمعا على التأكيد «على رفض أي زيادات للضرائب والرسوم، وانّ المطلوب قبل ذلك هو معالجة مزاريب الهدر والفساد الموجودة في مفاصل الدولة، قبل ان تتم المعالجة على شاكلة ملء صَب المياه في دلو مَنخور».
وتضيف المعلومات انّ أخطر ما كشف عنه في الاجتماع هو انّ الوضع في انحدار مريع، والأزمة ضربت مجموعة كبيرة من المؤسسات، ودفعت بها الى الاقفال واحدة تلو الأخرى، بحيث انّ مئات من المؤسسات قد «سَكّرت» خلال الفترة الاخيرة. وأمّا ما بقي منها، فهو أمام خيارين: الأول، إن لم يصِل الوضع الى نوع من الحلول، فالفترة الممتدة من الآن وحتى آخر تشرين الثاني المقبل ستشهد خطوات من بعض المؤسسات لتخفيف ما نسبته 20 في المئة من موظّفيها. والخيار الثاني، لجوء تلك المؤسسات الى تخفيض كبير في رواتب الموظفين لديها.
إتهامات ولا توضيحات
إنّ الواقع الاقتصادي الصادم، والذي أفقد اللبنانيين عنصر الأمان، وصعد بهم الى أعلى قمة اليأس، وجعلهم مكشوفين بلا غطاء حماية، تُفاقِمُه، كما باتَ واضحاً، سلطة ساقطة في العجز والتلهّي بالقشور وبالحروب الداخلية بين مكوّناتها، وداخل الغرَف المغلقة تدين نفسها بالاتهامات المتبادلة بين بعضها البعض بالفساد وارتكاب الموبقات.
وفي هذا الاطار، كشفت مصادر موثوقة لـ«الجمهورية» انه خلافاً لجَو الوئام الذي يجري تسويقه بين أهل السلطة، فإنّ توتراً شديداً يسود على الخط الحكومي، بعد الكلام الرئاسي عن وجود 3 وزراء على الاقل، داخل الحكومة، وصفوا بالفاسدين ويجب ان يخضعوا للمساءلة والمحاسبة، نظراً لوجود ملفات فساد كبرى في حقهم، وباعتبار هؤلاء الثلاثة يشكّلون ما سُميّت «حلقة فساد متمساكة». إضافة الى توجيه انتقادات لاذعة بحق أحد المسؤولين، واتهامه بأنه «ما بيشبَع».
وبحسب المعلومات، فإنه على أثر تسريب هذا الكلام، عبّرت مستويات سياسية فاعلة ممثلة في الحكومة عن امتعاضها مما وصَفته «الاتهام الخطير»، وأعقبت ذلك حركة اتصالات بين هذه القوى، سعياً للحصول على توضيحات رسميّة، بالتوازي مع محاولة تحديد مَن هم الوزراء المتهمون؟ وما هي الملفات المتّهمين بها؟ إلّا انّها فشلت في الحصول على ايّ توضيحات، حتى أنّها لم تلقَ نفياً لهذا الكلام.
وفيما لوحِظ عدم صدور أي موقف علني حيال هذا الامر من قبل رئيس الحكومة سعد الحريري، قالت مصادر وزارية لـ»الجمهورية»: إذا صحّ هذا الاتهام بوجود 3 وزراء فاسدين داخل الحكومة، فهذا أمر من الطبيعي الّا يتم السكوت عليه. وبالتالي، المطلوب كشفه على الملأ وتسميتهم. أما اذا لم يكن صحيحاً، وتبيّن انه مجرّد اتهام سياسي يُصَوّب على قوى سياسية معيّنة، فهذا يبدو كإطلاق نار مُتعَمّد على الحكومة، ويهدد مصيرها.
جولات الحريري
في جانب آخر، يغادر الرئيس الحريري غداً في زيارة الى الامارات العربية المتحدة.
وعلمت «الجمهورية» انّ هذه الزيارة، تحوّلت من حضور مؤتمر، الى زيارة رسمية سيلتقي في خلالها الحريري المسؤولين الاماراتيين، وعلى رأسهم الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، وستستمر حتى الثلاثاء. ويرافق الحريري الوزراء وائل ابو فاعور، منصور بطيش، عادل افيوني، محمد شقير، الياس بو صعب، وحاكم مصرف لبنان رياض سلامة.
وقالت مصادر وزارية لـ«الجمهورية» انّ الجانب اللبناني يعوّل على هذه الزيارة، فهناك 3 قطاعات تلقى اهتماماً من قبل دولة الامارات هي: الامن الغذائي والطاقة المتجددة والغاز. وستكون هناك محادثات رفيعة المستوى في هذه المجالات الثلاثة، من أجل تحضير اتفاقيات.
وأشارت المصادر الى انّ الاهتمام الذي توليه الامارات للبنان، يدخل في إطار توجّه جديد لسياستها تجاه لبنان وسوريا والمنطقة.
من جهة ثانية، علمت «الجمهورية» انّ الحريري بصَدد التحضير لـ5 زيارات متتالية عنوانها اقتصادي واستثماري، لعلها تنعكس ايجاباً على الداخل، تبدأ من الامارات ومن ثم برلين حيث تعقد المستشارة انجيلا مركل مؤتمراً استثمارياً مُخصصاً للبنان، ومن بعدها يتوجه في أوائل تشرين الثاني المقبل الى المملكة العربية السعودية لتوقيع 19 اتفاقية في عدة مجالات، ومن ثم الى باريس في منتصف تشرين الثاني المقبل.
تحقيقات الاتصالات
على صعيد آخر، برز امس تطور قضائي مع قرار المدّعي العام المالي القاضي علي ابراهيم استدعاء وزير الاتصالات محمد شقير، وسلفَيه جمال الجرّاح وبطرس حرب، للاستماع إليهم بناءً على المعلومات التي زَوّدته بها لجنة الإعلام والاتصالات النيابية، إضافة إلى معطيات سبق أن قدّمها له النائب ياسين جابر.
وفيما امتنع وزير الاتصالات محمد شقير وكذلك الوزير الجراح عن الاستجابة للدعوة، لبّى الوزير السابق بطرس حرب وقدّم ما لديه من معلومات ومعطيات.
وفيما رفض القاضي ابراهيم مقاربة هذا الامر في الاعلام، قال حرب لـ«الجمهورية»: الجلسة كانت مريحة، ووضعتُ المعلومات التي بحوزتي في تصرّف القضاء المختص، كما عرضتُ الشبهات التي حصلت على يد الوزراء الفاسدين، وأنا مع مبدأ المحاسبة وأضع نفسي بتصرّف القضاء.
ورداً على سؤال، قال: يبدو أنّ هناك توجهاً لإخفاء المخالفات المرتكبة في ادارة وزارة الاتصالات أيام الوزير نقولا صحناوي، والسبب هو سياسي بامتياز، فاستدعاء صحناوي وإكمال التحقيق مع الوزير الجرّاح قد يُلقي الضوء على كثير من المخالفات التي ارتكباها.
الجرّاح
وحول استدعائه، قال الوزير الجرّاح لـ«الجمهورية»: لهذا الموضوع أصول وإجراءات قانونية، وعند اتخاذها، وعند تأكّدنا أن ليس هناك مِن استهداف سياسي لنا من بعض الجهات، وعند استدعاء من يجب استدعاؤهم، عندها نفكّر في الموضوع».
واستغربَ عدم استدعاء الوزير الصحناوي، واضعاً «ما حصل في إطار استهداف الرئيس الحريري»، ومُتهماً رئيس لجنة الإعلام والإتصالات النائب حسين الحاج حسن بإطلاق شائعة «الفضيحة الكبرى حول أجار مبنى» (مبنى «تاتش»)، من أوّل جلسة للجنة الاتصالات قبل قراءة الملف والاطلاع عليه».
وإذ أعلن جهوزيّته للمثول أمام لجنة التحقيق البرلمانية شرط ان تكون علنية، وأيّد مطالبة الوزير شقير بإلغاء لجنة الاعلام، قال: «لا يُزايدنّ أحد علينا في الحرص على المال العام، خصوصاً مَن له في الفساد باع طويل. ملفّنا كامل مُتكامل، وطلبنا من الحاج حسن الاطلاع عليه ومناقشتنا بالأرقام، لكنه فَضّل الشِعر والتصريحات العشوائية».
الحاج حسن
وقال الحاج حسن لـ«الجمهورية»: «نحن نقوم بواجبنا الدستوري الذي ينصّ على أنّ أعمال مجلس النوّاب ترافق أعمال الحكومة من خلال الهيئة العامّة واللجان النيابيّة»، مضيفاً: «عندما يتم تشكيل لجنة تحقيق برلمانيّة في ملف الخلوي سنعطيها كلّ المعطيات والمستندات التي في حوزتنا، وهنا سوف يتم التأكّد إذا كانوا مُحقّين».
ورداً على سؤال عن مقاطعة الوزير شقير اللجنة، قال: إنّ الوزير وأي مسؤول في الدولة مُلزَم بالحضور، فليقرأوا الدستور والنظام الداخلي لمجلس النواب.