غداً الجمعة تعود اللجنة الوزارية المكلفة دراسة الإصلاحات المالية والاقتصادية إلى الاجتماع، بعد جلسة مجلس الوزراء العادية اليوم، في محاولة للاتفاق على مضمون الإصلاحات الواجب اتخاذها على المديين القصير والبعيد، وسط تركيز على المضي في تهميش رواتب موظفي الدولة، والبحث عن إمكان فرض ضرائب جديدة، سارعت الهيئات الاقتصادية والاتحاد العمالي العام والمجلس الاقتصادي والاجتماعي لرفض أية زيادة على الضرائب، بهدف زيادة مداخيل الخزينة، واعتبارها ليست الحل، بل باتت إحدى أبرز مسببات تفاقم الأوضاع الاقتصادية والمالية، مطالبة بتحجيم القطاع العام وهيكلة نفقات قطاع الكهرباء، ووقف التهرب الضريبي.
ملاحظات عون
وعلى الرغم من ان جلسة مجلس الوزراء التي ستعقد قبل ظهر اليوم في بعبدا، غير مخصصة للموازنة، الا ان مصادر مقربة من رئيس الجمهورية ميشال عون، توقعت ان يتطرق في افتتاحية الجلسة إلى موضوع الموازنة، وإلى التطورات التي جرت في الأيام الماضية، وتتصل بجوانب كثيرة منها بالأزمة المالية، وبالمضاربات التي حصلت في السوق الموازية وتحركات الشارع.
وقالت انه ستكون للرئيس عون ملاحظات بشأن ما جرى، وان ما سيقوله سيكون منسجماً مع ما صدر عنه في اليومين الماضيين، سواء من خلال مواقفه المباشرة أو غير المباشرة.
ولفتت إلى انه من ضمن الملاحظات اعتقاده بأن الحكومة كانت في حالة غياب عن الوعي، خلال الفترة التي حصلت فيها التطورات المتصلة بتقلبات سعر الدولار وصولاً إلى يوم الإضراب والتحرك في الشارع، وانه كان يجب ان تأخذ زمام المبادرة لمعالجة تردي الوضع النقدي ومصارحة الرأي العام بحقيقة ما حصل من تقلبات في الأسواق المالية.
وبحسب المقربين، فإن هذه الملاحظة لا تعني سحب ثقة من الحكومة، ولا أن هناك اشكالاً ما في العلاقة بين الرئيسين عون وسعد الحريري، الذي سيغادر الاثنين إلى أبو ظبي للمشاركة في مؤتمر للاسثتمارات لا بل ان رئيس الجمهورية يُشدّد على تفعيل عمل الحكومة وانه ما يزال متمسكاً بها، وان العلاقة بين الرئيسين تحكمها المودة والأنظمة المرعية والدستور، وان لا علاقة للرئيس عون بما يجري من تأزيم في العلاقة بين تيّار «المستقبل» و«التيار الوطني الحر» على خلفية الحملة التي يقودها عضو تكتل «لبنان القوي» النائب زياد أسود على منجزات الرئيس الشهيد رفيق الحريري والرئيس الحريري، من دون ان يُبادر التيار العوني ولا رئيسه الوزير جبران باسيل إلى وقف هذه الحملة أو كشف اغراضها، علماً ان النائب أسود واصل أمس هجومه على الحريرية السياسية، من خلال الرد على عضو كتلة «المستقبل» النائب هادي حبيش، ما دفع نائباً الكتلة حبيش وديمة جمالي وعضو المكتب السياسي لتيار المستقبل النائب السابق مصطفى علوش الذي كشف ان إلغاء اللقاء الذي كان مقرراً بين الوزير باسيل وكوادر «المستقبل» في الأمانة العامة، كان بسبب تغريدة النائب أسود، مشيراً إلى انه طالما ان التيار لم يتبرأ من تغريدة أسود فإن ذلك يعتبر تبنياً لها، لافتاً إلى ان زيارة باسيل للأمانة العامة تحتاج إلى تمهيد قبل اجرائها.
من ناحية ثانية، تداول ناشطون يفترض انهم من «التيار الحر» على مواقع التواصل الاجتماعي صور دعوا من خلالها إلى النزول إلى الشارع يوم الأحد المقبل والتظاهر في ساحة الشهداء دعماً للعهد وللرئيس عون، في ما يشبه الرد على تظاهرات الأحد الماضي، قابلتها دعوات من ناشطين في المجتمع المدني للنزول إلى الشارع في نفس المكان والزمان، في وقت أوضحت فيه مصادر قريبة من بعبدا، بأن إعادة المكتب الإعلامي في رئاسة الجمهورية التذكير بمواد قانون العقوبات في ما يتصل بالجرائم المالية، لا يقصد منه لا التهديد ولا الوعيد، ولا كم الأفواه، بل هو فقط نوع من الضوابط التي يجب ان تكون معروفة لدى النّاس، انطلاقاً من الحرص على سلامة النقد الوطني.
وذكرت معلومات ان الرئيس عون تابع أمس التطورات النقدية في البلاد، في ضوء الإجراءات التي اخذها مصرف لبنان في تعميمه، وتلقى تقارير من المراجع المعنية تفيد ان وضع الأسواق المالية مستقرة، وان الدولار حافظ على سعر يتداوله الصرافون بحدود 1530 ليرة للدولار الواحد، لكنه لم يصل بعد إلى السعر الرسمي الذي يحدده البنك المركزي.
الهيئات الاقتصادية والاتحاد العمالي
وسط هذه الأجواء، انعقد في مقر غرفة بيروت وجبل لبنان، اجتماع عمل بين الهيئات الاقتصادية اللبنانية، برئاسة الوزير محمّد شقير وهيئة مكتب الاتحاد العمالي العام برئاسة رئيس الاتحاد بالانابة حسين فقيه، خرج ببيان مشترك تلاه أمين عام الهيئات الاقتصادية نقولا الشماس شدّد فيه على التضامن الوطني للدفاع عن الاقتصاد والمؤسسات والعمال، مشيراً إلى ان قوى الإنتاج ما تزال تمتلك الكثير من المقدرات والمقومات التي بامكانها إعادة البلد إلى طريق التعافي والنهوض.
ورأت قوى الإنتاج في بيان، ان سلّة الاقتراحات لعلاج الأزمة يجب ان تتضمن اجراءات تعنى بشكل أساسي بتحسين ظروف المؤسسات التي تبقى صمام الأمان للاقتصاد الوطني ومالية الدولة وديمومة عمل العمال. وقالت: ان زيادة الاعباء الضريبية بهدف زيادة مداخيل الخزينة ليست الحل، إنما باتت في الوقت الراهن إحدى أبرز مسببات تفاقم الاوضاع الاقتصادية والمالية»، ودعت السلطة الى أن تحزم أمرها وأن تباشر فورا باتخاذ اجراءات اصلاحية جذرية، يأتي في طليعتها خفض حجم القطاع العام وإعادة هيكلة نفقاته وإصلاح قطاع الكهرباء، وأيضا الضرب بيد من حديد لوقف التهريب والتهرب الضريبي والاقتصاد غير الشرعي والفساد».
وفي السياق المالي أيضاً، قال مصدر مطلع لرويترز ان «لبنان يختار بلوم وستاندرد تشارترد وسيتي بنك وإس.جي.بي.إل لإدارة إصدار سندات دولية جديدة في حدود ملياري دولار رغم أن التفويض ما زال قيد النقاش».
لقاء الأربعاء
إلى ذلك، أكد رئيس مجلس النواب نبيه بري ان «رئاسة المجلس النيابي مؤتمنة على السيادة النظامية والتشريعية والرقابية للمجلس النيابي»، معتبرا ان «الطريق معروفة ومفتوحة امام المعالجة الحقيقية لإنقاذ البلد، خصوصا ان هناك إجماعا حصل في لقاء بعبدا وتم الإتفاق بالإجماع على 22 بندا من أصل 49 بندا»، متسائلا امام النواب خلال لقاء الأربعاء في مقر الرئاسة الثانية في عين التينة «على ماذا الإختلاف ولماذا معاودة البحث من جديد في الإصلاحات الإقتصادية»، مطالبا مجددا «بضرورة تفعيل هيئة الطوارئ الإقتصادية من اجل بت هذا الموضوع»، منوها «بالشق المتعلق بمناقشة الموازنة والتي على ما يبدو انها لا تحتاج لأكثر من نصف جلسة كما اوضح وزير المالية».
وأبلغ بري النواب انه سيدعو الى «جلسة في الخامس عشر من الشهر الجاري لإنتخاب أميني المجلس النيابي طبقا لأحكام الدستور إضافة الى الجلسة التي سبق ودعا إليها في السابع عشر من تشرين الأول لتفسير المادة 95 من الدستور».
وتطرق بري الى «مضمون المادة 103 من النظام الداخلي لمجلس النواب والتي تتعلق بحق رئيس الحكومة بإسترداد أي مشروع قانون وهو ما درجت عليه العادة خاصة بعد إتفاق الطائف»، مستندا الى حالات حصلت في هذا الإطار.
لجنة الإصلاحات
وفيما ينتظر ان تتأخر جلسة مجلس الوزراء المخصصة لاستكمال درس موازنة العام 2020 إلى ما بعد عودة الرئيس الحريري من أبو ظبي الثلاثاء، عاودت اللجنة الوزارية لدرس البنود الإصلاحية في الموازنة اجتماعاتها برئاسة الرئيس الحريري في السراي، وتركز البحث في خلال الاجتماع على أوراق العمل التي قدمتها القوى السياسية وإمكانية التوصّل إلى توافق على بنود مشتركة تمّ فيها الاتفاق على مشروع قانون الإجراءات الجمركية الذي قدمه وزير المال علي حسن خليل، والذي من شأنه ان يضبط عمليات التهريب وزيادة الواردات المالية للخزينة، وهو كان مطلباً من مطالب الدول المانحة في مؤتمر «سيدر».
علمت «اللواء» انه تم ايضاً عرض موضوع كلفة الكهرباء والاصلاحات الواجبة في القطاع، وبعض الاجراءات المالية والادارية التي من شأنها تخفيف الاعباء على الخزينة. وتم الاتفاق على عقد جلسة اخرى للجنة عندالسابعة من مساء اليوم وجلسة اخرى بعد ظهر غد الجمعة.
وذكرت بعض المعلومات ان ممثّل «التيار الوطني الحر» طلب اضافة بعض البنود الواردة في ورقة التيار والتي تتضمن بعض الضرائب والرسوم، وجرى نقاش مطوّل في ورقة التيار، لكن اغلب القوى السياسية رفضت بشكل مطلق زيادة اي ضريبة او رسوم (امل وحزب الله والحزب الاشتراكي والقوات اللبنانية والمردة).
واكدت مصار المعلومات ان بعض البنود التي يُتفق عليها ستدخل ضمن مشروع الموازنة والبعض الاخر سيحال الى المجلس النيابي بصفة مشاريع قوانين.
ونقلت قناة «ان ابي ان» عن وزير المال علي حسن خليل قوله قبل اجتماع اللجنة الوزارية: ان اعتماد ثلاثة بنود اصلاحية من الاصلاحات المطروحة يكفي حالياً لتجاوز الازمة، وهي قانون الجمارك وقانون المناقصات وقانون التهرب الضريبي وهي محالة الى الامانة العامة لمجلس الوزراء وتنتظر ادراجها على جدول اعمال مجلس الوزراء.وعندها لا نضطر الى فرض اي ضرائب جديدة كما يقترح البعض.
وأوضح الوزير خليل بعد الجلسة ان اللجنة ستأخذ وقتاً غير طويل في دراسة قانون الجمارك ورفعه إلى مجلس الوزراء لاقراره وفق الإجازة للحكومة بالتشريع الجمركي، من دون حاجة لإصداره بقانون، مشيراً إلى انه حصل تداول في بعض ملامح النظام التقاعدي الذي قدمه البنك الدولي، وقد نوقش بعناوينه العامة، وهو بحاجة إلى نقاش أكثر عمقاً.
وقال انه تمّ إحراز تقدّم كبير في الموازنة إلى حدّ انها باتت شبه منتهية على مستوى الأرقام وهناك مراجعة لبعض المواد.
ووصف خليل مطالبة وزراء «القوات اللبنانية» بضرورة ان تسير الإصلاحات بالتوازي مع الموازنة، بأنه أمر مشروع وطبيعي، وأنا قلت في فذلكة الموازنة اننا بحاجة إلى إقرار مجموعة من القوانين والمراسيم والإجراءات والقرارات التي تواكب إنجاز الموازنة، لكننا لا نريد ان نربط الأمور ببعضها البعض.
وقال رداً على سؤال ان الجميع أكّد على ضرورة وأهمية ان تقر الموازنة في مواعيدها الدستورية وهذا التزام من كل القوى السياسية.
واستبعد خليل رداً على سؤال آخر، احتمال وجود ضرائب أو رسوم في الموازنة، لكنه قال إذا كانت هناك بعض الأفكار من بعض القوى بفرض ضرائب ورسوم فإن هذه الأفكار ما زالت تناقش..
ووصفت مصادر وزارية مشاركة باللجنة اجواء النقاش بالايجابية جداً، مؤكدة ان ما حصل في الاجتماع يعتبر تقدما بارزا، وكشفت ان اجتماع اليوم سيتركز على نقاش الاجراءات القصيرة المدى اي التي يمكن اتخاذها بشكل سريع لتنفيذها حاليا، وشددت المصادر على ان هناك التزاما جديا من قبل جميع اعضاء اللجنة بتنفيذ الاصلاحات الواردة ضمن اوراق مقدمة من جميع الاطراف والافرقاء السياسيين، وأملت ان يفي وزير الاتصالات بما وعد به اللجنة من اجراء عرض شامل لقطاع الاتصالات ووارداته.
وكشفت مصادر مطلعة على أعمال اللجنة وبعض ما دار من نقاشات خلال الجلسة التي انعقدت في حضور المجلس الأعلى للجمارك، وموقف وزيري «القوات اللبنانية» لجهة ضرورة البت بالاصلاحات تزامناً مع الموازنة فنقلت عن الوزير كميل أبو سليمان تأكيده من جديد ان وزراء «القوات» سيعترضون على إقرار الموازنة دون اتفاق على سلسلة من الإجراءات الإصلاحية، وجاء كلامه رداً على مداخلة لوزير المال غمز فيها من قناة موقف «القوات»، مؤكدا على ضرورة احترام المهل الدستورية.
وحين علق الوزير جمال الجراح بأن الموازنة تنقسم إلى شقين: الأرقام وهي على وشك الإقرار والمواد التي يُمكن ان تتضمن مواد إصلاحية، علق نائب رئيس الحكومة غسّان حاصباني مؤكدا على موقف أبو سليمان حول رفض السير بموازنة عادية دون إصلاحات، رغم حرصه على المهل الدستورية.
ولاحظت مصادر سياسية أن هناك محاولات التفاف على ما تم الإتفاق عليه سابقاً حول مواكبة الموازنة بسلسلة من الإجراءات المتفق عليها سابقاً لوضعها قيد التنفيذ، إضافة إلى إجراءات جديدة يتم بحثها في اللجنة تزامناً مع بحث الموازنة.
وأضافت المصادر أن المهلة الدستورية كافية لبحث الإصلاحات المنشودة كما أن هناك مهلا أخرى مالية واقتصادية ضاغطة، وهذا ما حدا بالقوات إلى الربط بين الموازنة والإصلاحات لقطع الطريق على جدال البيضة والدجاجة تحت طائلة عدم «المشي بالماشي».