إنّ مواقع التواصل الإلكتروني (فايسبوك، تويتر الواتس أب..ِ ) هي في حد ذاتها وسيلة يمكن الإفادة منها فيما ينفع الانسان ويغني عقله وتجربته، أو في التواصل الإجتماعي والتعارف المفيد، ويمكن في المقابل الإفادة منها فيما يسيىء إلى الإنسان ويضر بحياته، ولهذا فإننا لا نستطيع أن "نشيطن" هذه الوسيلة في حد ذاتها أو نذمها أو نحرّمها، كيف وهي وسيلة قد قرّبت إلينا البعيد وسهلت الصعب والعسير، إلا أن المهم أن نعرف كيف نستغلها ونستثمره.

1 - الفايسبوك نعمة أم نقمة

   وهنا وعند طريقة استثمار هذه الوسيلة يأتي الحديث عن الموقف الشرعي والأخلاقي، وهنا يمكن الحديث عن الحرام والحلال، فمن أفاد من هذه الوسيلة في الدعوة إلى الله والتبشير بالقيم الأخلاقية، أو في التواصل الإجتماعي مع أرحامه   فإنّ إستخدامه لهذه الوسيلة لن يكون مباحاً فحسب، بل ومستحسناً شرعاً، وربما يصل الأمر إلى حد الوجوب الشرعي، وهكذا من استخدم هذه الوسيلة في التواصل مع الأخوان والأصدقاء، فإن اكتساب الأصدقاء ولو عبر الفايسبوك هو مغنم كبير، وكما قال علي (ع): "أعجز الناس من عجز عن اكتساب الأخوان.."

   أمّا عندما نستخدم هذه الوسيلة في سبيل الدخول إلى المواقع الإباحية أو في التجسس على الناس وفضح أسرارهم وإحصاء أخطائهم وزلاتهم .. فإن ذلك سيكون محرماً بكل تأكيد، وغير بعيد عن ذلك ما نلاحظه من إدمان بعض الناس (ذكورا أو إناثاً) على استخدام الأنترنت فيما لا ينفعه في دين أو دنيا أو آخرة، إلى حد أنّه يهمل مسؤلياته وواجباته تجاه زوجه أو أولاده.. فهذا أمر مرفوض شرعاً وعقلاً, ولا سيما أنّ فيه - بالإضافة إلى التخلي عن المسؤليات والتقصير في الواجبات - تبديداً للوقت وهدرا للعمر، وهدر العمر هو من أسوأ أنواع الهدر، لأنّ هدر المال مثلاً يمكن تعويضه، أما هدرالعمر

أو الشباب فهيهات أن يعوض ! "ألا ليت الشباب يعود يوما..."!

 ولهذا نقول للشباب ولغيرهم ممن يقضون ساعات طوال وأيام وليال على الفايسبوك أو التويتر أو الواتس أب، أو الأنترنت عموماً: إنّ هذه الساعات التي تبددونها وهذا الزمان الذي تضيعونه دون طائل سوف تحاسبون عليه يوم القيامة، يقول رسول الله (ص): "لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع عن عمره فيما أفناه وعن شبابه فيما أبلاه وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه وعن محبتنا أهل البيت".

2 -  زواج الفايسبوك

   إنّ تعارف الناس وتلاقي الأهل والخلان عبر "الفايسبوك" هو أمر جميل ورائع، بل إنّ ذلك يعدّ إحدى أهم حسنات هذه الوسيلة الالكترونية، وكم من الأشخاص الذين استفادوا من هذه الوسيلة للتعرف على ذويهم والوصول إلى أقاربهم وأرحامهم بعد انقطاع أو غياب طويلين.

   ومن أشكال التعارف بين الناس عبر"الفايسبوك" هو تعارف الشباب والفتيات بهدف الزواج، فماذا عن الموقف الشرعي من هذا الأمر؟ وما هي سلبياته وإيجابياته؟

 

   إننا من حيث المبدأ لا نرى مشكلةً شرعية في هذا النوع من التواصل أو التعارف، بل إننا نلاحظ أنّ هذه الوسيلة قد ساعدت في فتح أفاق واسعة أمام العزاب وراغبي الزواج، وساهمت في إيجاد فرص جديدة للشباب أو الفتيات الذين لم يتسن لهم العثور على الزوج المناسب، ولهذا علينا أن لا نتحسس من هذا الأمر ونرفضه رفضاً قاطعاً، وإن كان غير مألوف لنا.

 

    أجل إنّ هذا النوع من التعارف يبقى محفوفاً - أكثر من غيره - ببعض المخاطر أو المحاذير الشرعية التي قد يقع فيها الكثيرون، الأمر الذي يفرض علينا الحديث عن ضوابط هذا النوع من التواصل بين الرجال والنساء، والضوابط هي:

1-مراعاة حدود الله في التواصل عبر الفايسبوك، سواء في اختيار الكلمات التي يتحدث بها أحد الجنسين مع الآخر، أو في سائر التصرفات، وذلك بما يبعد أجواء التواصل الإلكتروني عن الإثارة الغرائزية أو نحو ذلك، صحيح أنّ   المتحادثين عبر الفايسبوك قد يكونان في مأمن من عيون الناس ومسامعهم، إلاّ أنهما ليسا بمأمن عن عين الله سبحانه وتعالى، فهوعالم السر والخفايا ولا تخفى عليه خافية، "عباد الله اتقوا معاصي الله في الخلوات فإنّ الشاهد هو الحاكم".

2-إنّ هذا النوع من التعارف عبر الفايسبوك غير كافٍ لمعرفة الطرف الآخر، بل لا بدّ من التعارف المباشر حتى لا نقع في الغش والتدليس الذي يمارسه الكثيرون حيث يقدمون أنفسهم إلى الطرف الآخر بصورة ملائكية جميلة، لكنها مخالفة للواقع وبعيدة عنه كل البعد، وربما يكتشف الانسان الحقيقة بعد فوات الآوان.

إنّ قرار الزواج هو قرار مصيري بالنسبة لحياة الإنسان، والعاقل لا يجازف بمصيره ولا يعبث بمستقبله واستقراره وأمنه، من هنا فإنّ من الضروري أن تكون المعرفة بين الشخصين حقيقية وليست وهمية وافتراضية.

 

3-إنّ الكثير من الشباب أو الفتيات يقعن في محذور الحديث اللغوي البعيد عن مراعاة الظوابط الأخلاقية وقد يتجاوزون حدود الحياء واللياقات، (ويمكن أن تصفه بـ "طق الحنك")، وهو أمر غير مقبول شرعاً ( وإن لم يصل الأمر إلى حد الحرمة)، وكذلك فإنّه مستهجن عرفاً، والمؤمن - كما نعلم - لا بدّ أن يحرص على حفظ سمعته وصورته وأن يبتعد عما يشين وعن مواضع التهمة، لأنّ وكما قال علي (ع): "من وضع نفسه في مواضع التهمة فلا يلومن من أساء الظن به".

4-ولا بدّ أخيرا أن نحذر من الخداع الذي قد يمارسه بعض الناس عبر هذه الوسائل، لاستدراج بعض الفتيات إلى فخ معين، ليسجّل عليها بعض الكلمات أو المحادثات، ثم يعمل على استغلال ذلك ليبتزها أو يضغط عليها أو يفضحها ويسيء إلى كرامتها وشرفها.

3 - لغة الفايسبوك

ومن الأمور الجديرة بأن نتوقف عندها فيما يتصل بالفايسبوك هي اللغة التي يستخدمها الجيل الجديد في تواصلهم عبر الفايسبوك والتويتر .. وهي اللغة المحكية، ولكن مع اعتماد الحرف اللاتيني، وقد انتشرت هذه اللغة وأصبحت ظاهرة عامة وغدا بعض الناس لا يتقن غيرها في التواصل مع الآخرين، وتعليقاً على هذه الظاهرة لا يسعنا إلاّ أن نسجل استغرابنا ورفضنا لهذه الظاهرة التي ابتعدنا فيها عن لغتنا العربية مرتين، مرة عندما تركنا الفصحى إلى اللغة المحكية، ومرة عندما استبدلنا الحرف العربي بالحرف اللاتيني، وأخشى ما نخشاه أن تكون هذه الظاهرة من قبيل "الموضة التجديدية"، والتي قد تنطلق من موقع العقدة النفسية التي يعيشها البعض إزاء انتماءه ولغته، ولذا فهو يعتمد الحرف الأجنبي.

4 - الصور البديلة

وثمة أمر آخر لا بد أن ننبّه عليه في المقام، يرتبط  بالصور غير المحتشة التي تضعها بعض البنات والفتيات في (الفيس بوك)، كبديل عن صورهن الشخصية، وقد يضع بعض الشباب صوراً لفنانين أو ممثلين عالميين،  أو ما إلى ذلك، وربما يلجأ البعض إلى وضع صور أو شعارات  مستفزة أو مخيفة، أو تحمل دلالات مسيئة للآخر، فما هو الموقف منها؟

 والحقيقة أنّ الذي يفترض بالمؤمن أن يكون داعية للإسلام بالقول والفعل ، بالشعر والقصة، بالأدب والحكمة، بالصورة والمضمون، ومن هنا فإنّ ما يعرّف عن المؤمن ويعكس صورته لا بد أن يكون مشابهاً له ولصورته الإيمانية، فما درج عليه بعض المؤمنين من وضع صور بديلة عن صورهم الحقيقية في الفايسبوك ينبغي أن يراعي ما ذكرناه، بأن تنسجم تلك الصور مع شخصيتهم وإيمانهم، فالصور غير المحتشمة وغير اللائقة لا تخلو من شبهة شرعية، لأنّ فيها ترويجاً للباطل أو السفور، بينما الأجدر بالمؤمن والمؤمنة أن يروّجا للإسلام وللقيم الإسلامية، وأخشى ما أخشاه أن يكون هذا العمل يمثّل في عمقه تأثراً بهذه الشخصيات ويعبّر عن كونها - في نظره -  نموذجاً يحتذى ومثلاً أعلى له .