بعد أن ألقى الرئيس العراقي برهم صالح كلمته في الجمعية العامة للأمم المتحدة باللغة الكردية صار على العراقيين، وأنا واحد منهم، أن يتعلموا اللغة الكردية من أجل أن يفهموا اللغة التي يخاطبون من خلالها العالم.
ليست هناك مشكلة إذا ما تعلق الأمر بتعلم لغة وطنية، غير أن هناك مشكلة سياسية تتعلق بهوية الدولة التي يترأسها السيد صالح. فهل هي دولة عربية أم دولة كردية؟ طبعا لا يمكن أن تكون هناك دولة عربية-كردية في ظل نسبة سكانية تميل إلى العرب، باعتبارهم الأغلبية في بلد يزيد عدد سكانه على الثلاثين مليون نسمة، يشكل الأكراد عشرهم.
الأطراف السياسية الحاكمة في بغداد لم تعلق بشيء على ما قام به الرئيس العراقي. لا الحكومة ولا البرلمان ولا الأحزاب ولا الميليشيات أظهرت أي نوع من رد الفعل الغاضب. صمت الجميع في ظل دهشة علَتْ وجوه العراقيين، من غير أن يتمكنوا من تفكيك أسرار اللغز.
وكما يبدو فإن الرئيس العراقي لم يخالف الدستور. فهو بالرغم من نزعته الانفصالية التي سبق وأن أعلنها صراحة يوم إجراء الاستفتاء على انفصال كردستان عن العراق، فإنه لابد أن يكون حريصا على أن لا ينقض الدستور فيضع نفسه موضع المساءلة. المشكلة إذاً في الدستور وليس في الرئيس الحامي للدستور.
الدستور العراقي الجديد الملغوم بالكثير من الفقرات، التي يمكن أن تتسبب بوقوع حروب أهلية، لم ينص على هوية العراق العربية، بل أكد أن العراق بلد بشعبين وبلغتين. وهو ما يمكن أن يسمح باللعب في فضاء لا يتمكن القانون من فض النزاعات فيه إذا ما وقعت.
لقد تمكن الأكراد من خلال ذلك الدستور من فرض لغتهم على العرب وسيلة للتعريف بالعراق في حاضره الجديد. وهو ما يتناقض مع الحقيقة، ذلك لأن اللغة هي جزء من الحقوق الثقافية التي تتمتع بها الأقليات في ظل هوية جامعة، هي في حالة العراق الهوية العربية.
غير أن الدستور العراقي لم يتعامل مع الأكراد باعتبارهم أقلية. لقد ظهروا فيه كما لو أنهم نصف سكان العراق. وهو ما شجع الرئيس “العراقي” على أن يلقي كلمته باللغة الكردية التي لا يجيدها العراقيون، الذين صار واضحا بالنسبة إليهم أن هويتهم الثقافية صارت في طريقها إلى الاندثار.
ذلك خبر فاجع، وجد برهم صالح أن عليه تقع مسؤولية الإعلان عنه باعتباره رئيسا. وهو ما لا يمكن التعامل معه بطريقة سلبية. ذلك لأن قدر العراق الجديد في سياق نظام المحاصصة أن يكون رئيسه كرديا إلى أجل غير معروف.
ولأن الأطراف الشيعية والسنية المتحاصصة قد اعتبرت منصب الرئاسة بصلاحياته المحدودة منصبا لا يستحق التفكير به، فقد قرر برهم صالح أن يلقن تلك الأطراف درسا لا يُنسى من خلال مخاطبة العالم باسم العراق “العربي” باللغة الكردية.
خطاب الرئيس العراقي كان إعلانا رسميا بأن العراق لم يعد بلدا عربيا. لذلك فإن كل حديث عن إمكانية عودة العراق إلى محيطه العربي ينبغي النظر إليه باعتباره نوعا من الكذبة التي يجب عدم الإنصات إليها، لعدم اتصالها بالواقع الذي تم فرضه منذ الغزو الأميركي عام 2003.
العراق هو دولة أجنبية بالنسبة إلى الجامعة العربية التي هو عضو فيها.
وليس مستبعدا أن يلقي برهم صالح كلمته باللغة الكردية في أقرب قمة عربية. ما الذي يمنعه من القيام بذلك وهو رئيس منتخب على الطريقة العراقية؟
أخشى ما أخشاه أن يُطلب مني اجتياز امتحان باللغة الكردية في السفارة العراقية لو أنني فكرت أن أحصل على جواز أو وثيقة من أجل أن أثبت عراقيتي.