أن تتراكم الأزمات الداخلية والخارجية على لبنان، وكلما تبين للمسؤولين انهم حلوا واحدة منها، برزت إلى الواجهة عدّة أزمات أخرى أدق واخطر مما سبقتها حتى وصل الأمر أن تتفجّر القضايا المطلبية دفعة واحدة في وجه العهد والحكومة وهذا الامر لا يمكن أن يكون مجرّد مصادفة. فقد يكون مفهوماً أنْ تتدافع القضايا فتبلغ ذورتها في ظل الأزمة الاقتصادية الاجتماعية العاصفة بالبلد، ولكن غير المفهوم، أن يتزامن الحراك في ما يبدو، ظاهرياً، أنّها حال عفوية بينما هي، واقعاً في مكان آخر. لا بدّ من الإعتراف بأنّ الوضع الضاغط معيشياً من الطبيعي ان يدفع الى اعتراضات ومظاهرات.
ولكن غير المفهوم أن تأتي التطورات متلازمة التوقيت. ولقد يكون مطلوباً الكثير من حسن النية، كي لا نقول الكثير من السذاجة، كي نصدق أن ذلك كله من باب المصادفة التي هي خير من الف ميعاد. فالمصادفات ربما قد تحدث مرّة أواثنتين أوثلاثاً، ولكنها لا تحدث كلّ مرة وكل حين.عموماً مثل كل الازمات السياسية التي يتعرض لها البلد، لا احد يمتلك جرأة الاعتراف بخطأ ارتكبه. الكل يرمي المسؤولية على الكل، والجميع يتنصل وينأى بنفسه عن المشكلة. لا شك في أنّ اللبنانيين بنوا آمالاً عريضة على عهد الرئيس العماد ميشال عون. وكان الكثيرين منهم يراهنون أن الرجل الآتي من سنوات النضال الطويل، يملك رصيداً يسمح له امتلاك ما يشبه العصا السحرية، ليقول: كن، فيكون. بينما الواقع كان مختلفاً كلياً.
فالقدرات محدودة والإمكانات كذلك، والتراث الكبير من الثغرات لا يمكن محوه بقلب صفحة واحدة.
واضح أنّ الرئيس سعد الحريري نال ثقة نيابية قياسية في جلسة الثقة تأييداً للحكومة. إلاّ أنّ الذين منحوا الثقة كانت خلفياتهم متناقضة.
وثبت أن في من يحرّض على الحكومة، ويحرض على السلبي، الكثيرون من الذين يمكن القول إنهم من عظام الرقبة. وبالتالي لا يريد هؤلاء أن يعترفوا للحريري بما يقوم به من نشاط استثنائي يُعترف له به، وهو الذي يربط الاجتماعات باللقاءات حتى إذا ما أنهى اجتماعاً ترأس ثانياً واستعد لثالث. إلاّ أنّ الواقع يقتضي أيضاً الاعتراف بأنّه لا يملك عصا سحرية.
إقرأ أيضًا: وقائع ترفع منسوب القلق في لبنان!
إذا ما نظرنا الى مكونات الحكومة التي هي تقريباً مكونات المجلس النيابي ذاتها لبرز سؤال واضح وضوح الشمس عمن يحرك الإضرابات والتظاهرات والتلويح بالعصيان المدني. ولكن يبدو أنّ هناك قراراً لا يستأثر به طرف واحد من أطراف الحكومة بالتنعم بألقاب المعالي ومباهجها والمزايدة في الشارع أيضاً. فكل المشاكل وكل الازمات سببها واحد، الهدر الذي يستنزف الدولة وخزينتها.
وحتى الساعة لا يبدو ان المسؤولين جادين في معالجة مزراب الهدر، فكل المعالجات يجب ان تكون فوق المصالح الخاصة وفوق التجاذب السياسي، ولأن الكهرباء مصدر الظلمة الاقتصادية التي يعيشها لبنان فإن الواجب يقضي بإبعاد هذا الملف عن السياسة وحصره بالجانب التقني.
وقد جاءت أزمة النقد لتضيف إلى المشهد سوداوية لا تنقصه، حيث علم أن الأسبوع الطالع سيشهد سلسلة اجتماعات للخروج من المأزق، فيما السوق ينتظر التعميم الموعود لحاكم مصرف لبنان الثلاثاء، والذي سيعطي الحلول لأزمة استيراد النفط والأدوية والقمح.
ومع ترقب لقاء رئيس الجمهورية ميشال عون وزير المال علي حسن خليل وحاكم مصرف رياض سلامة للاطلاع منهما على أسباب الازمة وما حدث اثناء غيابه، ينتظر أن يتبين خلال الأسبوع الطالع حدود ازمة السيولة بالدولار وما إذا كان سعر الصرف سيعود إلى عتبة 1500 ليرة لاعادة الاستقرار النقدي على ما كان عليه.
واستطرادا اذا كانت الحكومة التي تضم التيار الوطني الحر وتيار المستقبل، وحزب الله والقوات اللبنانية، وحركة أمل والحزب التقدمي الاشتراكي وهي الى ذلك عاجزة عن ضبط الشارع فهذا يعني أحد أمرين لا ثالث لهما ، إما أن أطرافاً من هذه القوى الكبيرة عاجزة عن ضبط الشارع وإما هذه الأطراف متواطئة. والاحتمالان يطرحان الكثير من علامات الاستفهام!