يطرح موضوع تشكيل اللجنة الدستورية العديد من التساؤلات أو الملاحظات الجوهرية، والمتباينة، المتعلقة بالقضية السورية، بغضّ النظر عن المشكلات التي تعتري تشكيلة هذه اللجنة، أو المتعلقة بأهلية المشاركين فيها، ومشروعية تركيبتها الثلاثية (نظام ومعارضة ومجتمع مدني).
ويمكن إيجاز بعض أهم تلك التساؤلات والملاحظات في الآتي:
أولا هل بات الصراع السوري إزاء حقبة جديدة، أم إزاء “لعبة” جديدة، تتمثل في اختزاله في مجرد تشكيل لجنة دستورية، ذلك أن التجربة الطويلة والمريرة، بحسب مساري التفاوض في جنيف ثم في أستانة، تثير المخاوف بشأن أن الأمر ليس أكثر من مجرد تقطيع للوقت، ونوع من عملية علاقات عامة، علما وأنه لم تجر أي مفاوضات حقيقية بين النظام والمعارضة، خلال 13 جولة تفاوضية على المسارين، رغم أن مسار جنيف له سبعة أعوام (منذ 2012) ومسار أستانة له ثلاثة أعوام (منذ مطلع 2017)؟
ثانيا، هل يعني تشكيل تلك اللجنة بأننا قد نشهد في المرحلة المقبلة نوعا من التجاذب أو التصادم، حول الكلمات والمصطلحات والقيم والمعايير والمرجعيات الدستورية، وضمن ذلك التباين بشأن تفسير منطوق القرار 2254 (عام 2015)، على غرار ما جرى بخصوص تفسير بيان جنيف 1 الذي صدر في يونيو 2012، أو بيان فيينا في أواخر 2015، ومن ثم التملص من “السلال الأربع” لستيفان دي ميستورا، المبعوث الأممي السابق إلى سوريا، التي طرحها في الجولة الرابعة من مسار جنيف عام 2017، والمتعلقة بإيجاد حكومة انتقالية وصوغ الدستور وإجراء الانتخابات ومكافحة الإرهاب، لنصبح فقط أمام عملية شكلية تتعلق بالصراع على هذه النقطة أو تلك في الدستور؟
ثالثا، ما الذي سيجعل النظام، الذي شعاره “سوريا الأسد إلى الأبد”، والذي انتهج الحل الأمني المطلق، ومكّن إيران وروسيا من التدخل عسكريا إلى جانبه للحفاظ على حكمه، في مواجهته حراكات الشعب السوري، من أجل الحرية والديمقراطية والتغيير السياسي، يقبل وهو في ظروف أفضل التنازل للجنة دستورية، وهو لم يفعل ذلك في ظروف أصعب؟
رابعا، هل بات ثمة قرار دولي، ولاسيما أميركي، بشأن إيجاد حل للصراع السوري، يتأسس على وقف الصراع المسلح، والتحول نحو التحول السياسي بالطرق السلمية، ويضمن تمرير مخرجات اللجنة الدستورية، وجعلها معبرا أو جسرا نحو الاستقرار والتغيير السياسيين في سوريا؟
خامسا، ماذا بشأن واقع المعارضة السورية، في هذه المرحلة، وهي ليست في أحسن أحوالها، بل إنها باتت منهكة ومستنزفة، خصوصا نتيجة ضعف مكانة الائتلاف الوطني، وعدم قدرته على التحول إلى كيان سياسي جمعي للسوريين، ونتيجة انحسار مكانة فصائل المعارضة المسلحة، وانحسار رقعة المناطق التي كانت تسيطر عليها، نتيجة التدخل العسكري الروسي، ونتيجة اتفاقات “خفض التصعيد”، التي فرضها تحالف أستانة الثلاثي (روسيا وتركيا وإيران)؟ فهل هذا الواقع يمكن أن يمكّن المعارضة من فرض حقوق الشعب السوري، أو الذود عن حقه في التطلع نحن التغيير، ونيل حقوقه المنشودة؟
سادسا، في الواقع ومن خلال كل ما تقدم، يتبيّن أن المعارضة السورية، نتيجة خلافاتها وتخبط خطاباتها، ونتيجة ضعفها وارتهانها الخارجي، باتت تفتقد لأوراق القوة اللازمة لفرض وجهة نظرها، لاسيما وأن الحديث يتعلق بتركيبة ثلاثية، يبدو النظام فيها أكثر قوة ووحدة، وربما أكثر اختراقا للفريقين الآخرين أو تأثيرا فيهما، أيضا؛ هذا من جهة. ومن جهة أخرى فإن خلافات المعارضة، وانزياح معظمها نحو خطابات الفصائل الدينية والمتطرفة، تجعلها غير قادرة على طرح وجهة نظر ناضجة وواضحة بشأن فرض قيم الحرية والكرامة والمواطنة في مواد الدستور المقترح، والتي تكون كفيلة بترسيخ انتقال الدولة السورية من نظام سياسي استبدادي إلى نظام سياسي ديمقراطي، تكون فيه السيادة للشعب، في دولة مؤسسات وقانون ومواطنين متساوين. دولة تقوم على الفصل بين السلطات وعلى تداول السلطة، بواسطة انتخابات حرة ونزيهة ومراقبة.
بديهي أن تلك الأسئلة والملاحظات تشي بالخشية من إمكان أخذ الصراع السوري إلى ملهاة جديدة، بعد ملهاة التفاوض، وبعد التلاعب بالقرارات الدولية، من قبل الأطراف الخارجية المعنية بالصراع السوري، لأسباب متعددة ومختلفة، يفاقمها تراجع دور السوريين إزاء دور الفاعلين الخارجيين (الولايات المتحدة وروسيا وتركيا وإيران وإسرائيل)، ويفاقمها أن الولايات المتحدة لا يبدو أنها معنية بالحسم بشأن وقف الصراع الدائر في هذا البلد الذي شبع قتلا وتهجيرا وتدميرا.