عاشت البلاد أمس يوماً آخر من البلبلة والهلع إزاء الوضعين الاقتصادي والمالي، تَوازى معه حجم الإشاعات مع حجم الحقائق حول مستقبل هذين الوضعين، في الوقت الذي أظهرت السلطة مزيداً من العجز عن توفير المعالجات التي تُطمئن اللبنانيين الذين ما ان تأخذهم إشاعة حتى تأتيهم أخرى، وباتوا كمَن يقف على صفيح ساخن لا يستقر له حال.
ويرى المراقبون انّ كل ما حصل حتى الآن من تحركات ما زال جَعجعة بلا طحين، إذ لم تُتخذ بعد أيّ خطوات عملية لتفريج الاوضاع المالية المأزومة لا على مستوى الحكومة ولا على مستوى القطاع المصرفي، فتنعقد اجتماعات هنا وأخرى هناك ولا ينتج منها حتى الآن ما يَبعث على الاطمئنان، فيما الاشاعات تفعل فعلها وتُقلق اللبنانيين على المستقبل الآتي، في حال لم يحصل ما يغيّر واقع الحال الى الأفضل.
وكشفت مصادر مطلعة لـ"الجمهورية" انّ المُلحّ في هذه الأزمة المتفاقمة، هو مبادرة السلطة السياسية وكذلك السلطة المالية، الى توضيح الصورة من دون أيّ مواربة، أو إثارة غبار كثيف يحجب الصورة الحقيقية للأزمة ويزيد من التخبّط لدى المواطنين الذين يجمعهم القلق الكبير على غَدهم، وانحدار وضعهم من سيئ الى أسوأ:
ـ أولاً، بات من المُلحّ مصارحة المواطنين، هل هناك أزمة حقيقية على نحو ما باتوا يشعرون، وأين هي مكامنها، وكيف يمكن أن تعالج؟
ـ ثانياً، بات مُلحّاً مصارحة الناس بالحقيقة، هل دخلَ لبنان فعلاً في أزمة دولار؟ وهل من سبيل للخروج منها؟ وأيّ عناصر وقائية تملكها الدولة لحماية العملة الوطنية؟
ـ ثالثاً، بات مُلحّاً أن تخرج السلطة من سباتها المريب، إزاء ما يجري على الأقل لتُمارس دورها في الحماية، ووضع حدّ للاشاعات التي تزيد من تفاقم الأزمة، وملاحقة مُطلقيها أيّاً كانوا، كمجرمين يحاولون اغتيال المواطن اللبناني برزقه ولقمة عيشه... ويستوي معهم بعض المتلاعبين بالدولار من صرّافين وغيرهم من الذين يفترض وَضعهم تحت سيف القانون.
واعتبرت المصادر نفسها "أنّ كل هذا ينبغي ان يتم بالتوازي مع كلام صريح ومباشر للمواطنين، يُطلقه مصرف لبنان ويطمئنهم فعلاً، لا أن يحقنهم بمسكّنات سرعان ما ينتهي مفعولها لتبدأ بعده المعاناة مجدداً، وهذا لا يلغي دور المصارف، ومهمتها الأولى المبادرة الى إخراج نفسها من دائرة الإتهام، بأنها شريكة، عن قصد أو عن غير قصد، في مُفاقمة أزمة الدولار عبر سَعيها الدؤوب الى "حجز" الدولار ومنعه على المودعين وتكديسه في خزائنها".