لم تكن الجلسة التشريعية أمس عادية، لا سيّما وأنّ قضية قروض الإسكان العالقة أصلاً والتي كان ينتظر الشباب اللبناني معجزة من أجل الوصول إلى حلّ سريع ينتشلهم من قاع اليأس الذي يفيض بمشاكل إجتماعية كثيرة أخرى يصارعونها، كانت المفاجأة بسحب مبلغ 35 مليار ليرة لبنانية من المؤسسة العامة للإسكان، أي أكثر من ربع المبلغ الذي تمّ تخصيصه لدعم قروض الإسكان لذوي الدخل المحدود والمتوسط الذين حصلوا على قروض، ونُقلت إلى المؤسسات والجمعيات.
أمّا الشقّ الأكثر استفزازًا في هذه الجلسة والذي أحدث ضجة لم تهدأ منذ يوم أمس عبر وسائل التواصل، هو مطالبة أحد النواب المواطنين الراغبين بالإستقرار، بعدم شراء الشقق بل إستئجارها، "بصراحة" تامة، في سابقة نوعية.
وما حصل كان كفيلاً بأن يدفع الشاب حسن اسماعيل إلى إطلاق صرخة كانت نيابة عن صرخات كلّ مواطن ولخّصت معاناة الفئة الشابة التي تحلم ببناء مستقبل في بلدها، لكن حكّامها يستخفون بتلك الأحلام من دون أيّ اعتبارات، فهم أصحاب عقارات ومليارات وسيارات حتى وُلد الوِلد.
إقرأ أيضًا: «الله على عهدك»: لقطة جديدة من واقع اللبنانيين المأساوي!
اسماعيل، كتب منشورًا لاقى تفاعلًا كبيرًا، تناول فيه كيف دمّرت "شحطة قلم" أحلام الشباب، فيما تمنّى آخرون أن يترجم هذا الإعتراض على الأرض وعبر المواقع، لا من وراء الشاشات فقط:
" منذ أعوام، أناضل وشريكتي ليلًا ونهارًا ونبحث عن عمل جانبي هنا ودوام جزئي هناك بغرض تأمين قسط منزل للسكن حين نقرر الزواج. البارحة، بشحطة قلم قرر مجموعة من أبناء ال (...) أننا لا نستحق هذا المنزل. أنا وزملائي الأطباء، شريكتي وزملاؤها الصحافيون، أخي وزملاؤه الممرضون، عمي وزملاؤه السائقون، خالي وزملاؤه في قوى الأمن، جارنا وزملاؤه عمال النظافة، لا نستحق منزلًا. أو لأكون دقيقًا، لا داعي لنتملك منزلًا، منزل بالإيجار كافٍ. هكذا بشحطة قلم، ألغي هذا الحق.
مرّت عليّ ليالٍ بكيت فيها في المستشفى ليلًا لشدة الضغط النفسي والمادي أحيانًا. مشت شريكتي تحت المطر مرات عديدة لتوفّر أجرة التوصيل. نحن لا نستحق منزلًا يا سعادة النائب؟"
أضاف: " الحمد لله ألف مرة، أننا لم نصل الى ما وصلنا اليه على تواضعه، الا بتعبنا وبعرقنا. لم تسجد جباهنا لآلهة فاجرة، ولم تلعق ألسنتنا بقايا أطباقهم، ولم نتشارك أسرّتنا إلا مع من نحبّ ويحبنا، ولن أسهب في ذلك اكثر، فمجونكم وانحطاطكم أكبر من أن تصفه كلمات.
تريدون مال بيتنا الصغير لتعبئة جيوب الزوجات، وكأنها فارغة! مال "الجمعيات" رأيناه عند "باتشي" على الميلاد، وفي شهر رمضان على موائد المسنين في دور وهمية، وفي فطور صباحي مع زوجات رأسماليي العاصمة.
كثير من الأصدقاء حولوا الموضوع الى نكتة، وأنا أغبطهم على ذلك. حرفيًا، الحادثة جعلت عينيّ تدمعان. ليس لأني أحسست نفسي بلا قيمة أمام" رجال الدولة" ، ولا لأني أرى مالي يسرق باستخفاف، بل لأني لا أملك الجرأة بعد لامتلاك أي نوع من السلاح لأستعمله في وجه هؤلاء وزوجاتهم وأبنائهم (إن عادوا من السفر).
البارحة، مرّ القانون في المجلس، كما تمرّ دبابات الطغاة على ظهور العزّل، سواء صمتوا أم هتفوا لحقوقهم.
وما أجمل نهايات الطغاة المؤلمة".
قصّة اسماعيل، هي قصّة كل شاب لبناني يسعى لتطوير نفسه وللارتباط بـ "كرامة" فيما المتوفّر يدفعه الى البقاء مكانه أو يجرّه إلى الذل "الإجباري" أو إنتظار الفرج الذي لن يأتي.