تبنى الحوثيون في اليمن العدوان على المنشآت النفطية السعودية في محاولة منهم لإبعاد الشبهات عن إيران وهي الفاعل الحقيقي. لم يصدق أحد ذلك الادعاء الزائف قبل أن تبدأ التحقيقات.
غير أن تبنّي ذلك العدوان هو في حد ذاته جريمة، فهو يعبر عن نيّة مبيّتة في تضليل العدالة. تلك جريمة لا بد أن يدفع الحوثيون ثمنها.
وقد تكون مبادرة السلام التي أطلقوها من طرف واحد هي دليل شعورهم بأنهم لن يكونوا قادرين على دفع ثمن الحماقة التي ارتكبوها.
فالعالم كله ينتظر نتيجة التحقيقات التي أصرت السعودية على إشراك خبراء من الأمم المتحدة فيها. ذلك لأن الضربة كانت موجهة إلى الاقتصاد العالمي من خلال السعودية. وهو ما لم يكن الحوثيون على بينة منه حين تبنوا العدوان، باعتباره من وجهة نظرهم جزءا من الحرب التي يخوضونها ضد الشرعية.
حين اتضح لهم أن تلك الحرب شيء، والعدوان على أكبر مصفاة لتكرير النفط في العالم هو شيء آخر، لم يكن بإمكانهم التراجع عن كذبتهم فلجأوا إلى إطلاق مبادرتهم التي جاءت في الوقت الضائع.
ما صار واضحا بعد التبني الحوثي الزائف للعدوان الإيراني أن الحوثيين هم جزء لا ينفصل عن الكتلة التي تديرها إيران في محاولتها تهديد السلم والاستقرار العالميين.
أما كونهم جماعة بدائية تعمل وفق ما يمليه عليها الولي الفقيه ولا تفهم شيئا من المعادلات السياسية العالمية، فذلك ما سيكون في نهاية أسباب نجاتهم من العقاب المتوقع.
لقد حاول النظام الإيراني تمرير الكذبة من خلالهم ولم يخف فكرته التي لطالما لوح بها في وجه العالم. تلك الفكرة التي تقوم على قدرته على إشعال المنطقة مستعينا بأذرعه التي تمتد من لبنان إلى اليمن مرورا بالعراق وسوريا. الحوثيون حمقى ولكنهم ليسوا بلهاء.
إنهم يحاربون لا بسبب ثقتهم بعدالة قضيتهم، بل لأنهم جزء من المغامرة الإيرانية التي خُيل إليهم لأسباب طائفية أنها ستخرجهم من عزلتهم العربية والدولية وتهبهم مكانة استثنائية، لم يحظوا بها من خلال الاتفاقات التي وقوعها مع الحكومة اليمنية الشرعية.
بطريقة أو بأخرى فإنهم لصوص وانتهازيون.
غير أنهم بعد أن تبنّوا العدوان على المنشآت النفطية السعودية الذي تبين لهم في ما بعد أنه عدوان على العالم شعروا أنهم قد وقعوا في مصيدة قد لا يفلتون منها. فإن كانوا هم الفاعلين، وهو أمر ليس مؤكدا، فإن العالم كله سينقلب ضدهم وسيكون عليهم أن ينتظروا القصاص العادل. وإن كانوا قد تبنوا الجريمة في محاولة لتضليل العدالة فإنهم سيكونون شركاء في الجريمة.
في كل الأحوال فإن الحوثيين ليسوا في الوضع “البطولي” الذي تخيلوا أنهم سيصلون إليه إذا ما تبنوا القيام بتلك العملية. ربما أوهمهم الإيرانيون بـ”بطولة” مستحيلة. ذلك لأن كذبتهم سرعان ما ستُفضح.
إذا كان المجتمع الدولي لم يلتفت حتى اللحظة إلى الكذبة الحوثية فلأنه يسعى إلى استدراك خطئه في التعامل مع إيران التي صارت تشكل خطرا واقعيا على مصالحه الاقتصادية. غير أنه سيكون محتما أن لا يفكر العالم في تحجيم إيران من غير التفكير في احتواء وكلائها في الخارج ومنهم الحوثيون.
الحوثيون هم الآن في المقدمة. لا لشيء إلا لأنهم سيكونون موضع مساءلة قانونية. بين ما فعلوه وما لم يفعلوه هناك مسافة تتعلق بعلاقتهم بالإرهاب الدولي. فهم إرهابيون وكان ذلك خيارهم حين لجأوا إلى الانقلاب على الحكومة الشرعية والاستيلاء على الدولة. وهم إرهابيون حين تبنوا العدوان على منشآت، يشكل إنتاجها عصبا رئيسا في الاقتصاد العالمي.
المفارقة أن الحوثيين بسبب حماقتهم كشفوا عن وجههم الحقيقي عن طريق ما لم يفعلوه. عالميا فإن تلك المفارقة لا بد أن تضع المسألة اليمنية على ميزان أكثر إنصافا. فتلك الجماعة الإرهابية لا تستحق أن تكون طرفا في أي تسوية يرغب المجتمع الدولي في الوصول إليها.