ووصف المراقبون الوضع الراهن في لبنان والمنطقة بأنه ينتقل من حلقة ضغط اميركية الى أُخرى، ما يبعث على الخوف من أن يؤدي الضغط الى انفجار ما في توقيت ما، يمكن ان يهزّ الاستقرار على كل المستويات. واشاروا الى انّ زيارات بعض المسؤولين لعدد من العواصم الاقليمية والدولية لم تثمر اي نتائج عملية بعد، لأنّ هذه العواصم طلبت من لبنان تنفيذ دفتر شروط معيّن، مقدّمة لتسييل القرارات الدولية بدعمه. لكن هذا الدفتر لم يُنفّذ عملياً بعد، لأنّ اهل السلطة لم يُقدموا بعد، وانّ كلاً منهم «يغني على ليلاه» او «يعيش في مكان آخر».
وتتبعت الاوساط اللبنانية أمس مجريات زيارة بللينغسلي، على وقع ما يشهده الوضع المصرفي والمالي من تطورات مقلقة، سواء على صعيد الشكوى من شح العملة الصعبة في السوق وفي المصارف، في الوقت الذي تحدثت معلومات عن انّ العملات الصعبة تتسرّب من لبنان الى الخارج سواء عبر أجور العمال الاجانب او عبر رعايا عرب، وتحديداً سوريين وعراقيين، يلجأون يومياً الى شراء الدولار من محلات الصيرفة أو من السوق السوداء وينقلونها الى بلادهم من دون حسيب او رقيب.
والتقى بللينغسلي أمس كلاً من رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس الحكومة سعد الحريري اضافةً الى شخصيات وزارية واقتصادية ومصرفية، وعكست محادثاته جملة رسائل اميركية منها تأكيد دعم الاستقرار في لبنان، وتجديد ثقة الادارة الاميركية بالقطاعين المالي والمصرفي اللبنانيين، والتذكير باتخاذ اجراءات عملية لعدم تحويل لبنان الى جبهة ايرانية، والبقاء على مسافة من «حزب الله» الذي قد تطاول العقوبات حلفاء له.
لا عقوبات جديدة
واكّد بللينغسلي أنّه لم يأتِ بلائحة جديدة لإدراج مصارف لبنانيّة على لائحة العقوبات الأميركيّة»، مشدّدًا على عدم وجود سوء نيّة تجاه المصارف اللبنانيّة.
وأشاد، خلال جلسة مغلقة مع عدد من الإعلاميين أمس، بالقطاع المصرفي اللبناني وجهوده وتعاونه لمكافحة تمويل الإرهاب ومحاربة الفساد والتزامه بالتعاميم الدوليّة.
وخلال لقائه مجلس إدارة «جمعية مصارف لبنان»، رحّب بللينغسلي بـ»التزام المصارف اللبنانية بالقواعد والمعايير العالميّة لمكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب»، مشدداً على «ضرورة متابعة هذه الجهود حرصاً على مصلحة القطاع».
وبحسب بيانٍ صادر عن الجمعيّة، أعاد مساعد وزارة الخزانة الاميركية «تأكيد موقف بلاده من دعم الإقتصاد اللبناني عموماً، والقطاع المصرفي خصوصاً».
وكانت السفارة الأميركية قالت في بيان أصدرته عقب وصول بللينغسلي، أنّه خلال لقاءاته مع المسؤولين الرسميّين والمصرفيين، «سيشجع لبنان على اتخاذ الخطوات اللازمة للبقاء على مسافة من «حزب الله» وغيره من الجهات الخبيثة التي تحاول زعزعة استقرار لبنان ومؤسساته».
وفيما لم يصدر أي موقف رسمي عن أي طرف إثر اللقاءين مع بري والحريري، نسبت «وكالة الصحافة الفرنسية» الى «مصدر لبناني مطلع» على مضمون المحادثات، قوله، إنّ بللينغسلي شدّد على أنّ «الولايات المتحدة ستعاقب أي فريق يقدّم دعماً عينياً لحزب الله، سواء عبر الأسلحة أو المال أو أي وسائل مادية أخرى».
ونقل المصدر عن المسؤول الأميركي تأكيده أنّ «العقوبات تستهدف إيران وأتباعها في المنطقة» من دون «المساس بالأفرقاء التي يربطها مع «حزب الله» علاقة أو تعاون سياسي» في لبنان.
مع سلامة والمصارف
الى ذلك، قال مصدر شارك في إجتماعي بللينغسلي مع حاكم مصرف لبنان رياض سلامة وجمعية مصارف لبنان لـ»الجمهورية»، انّ المسؤول الاميركي «دخل في كثير من التفاصيل المالية والتقارير الدقيقة التي رُصدت لفترة طويلة قبل اتخاذ القرار في شأن مصرف «جمّال تراست بنك»، والتي احتُسبت على انّها مخالفات جسيمة للعقوبات المفروضة من اجل تجفيف مصادر الإرهاب وتبييض الأموال».
ولفت المصدر، الى انّ السعي الى معرفة ما إذا كان اصحاب «جمّال تراست بنك» على علم بكل شاردة وواردة ليس من مهمته، وانّ الهمّ الأساسي كان في جمع المستندات والوقائع التي حدّدت حجم الجرائم والمخالفات التي ارتُكبت والتي دفعت الى اتخاذ القرار في شأن هذا المصرف». وقال: «انّ بللينغسلي كان واضحاً في تأكيد ما هو معلن اكثر من مرة، من أنّ العقوبات المفروضة على ايران بكل مؤسساتها والبنك المركزي الإيراني من ضمنها واذرعتها في المنطقة والعالم كما بالنسبة الى المجموعات الإرهابية الأخرى، هي نهائية ولا رجوع عنها.
وشدّد على انّ كل قدرات الولايات المتحدة والدول والمؤسسات الصديقة تتعاون في هذا الإتجاه من دون مواربة، لأنّ هذه العقوبات المتشعبة ستشتد في المستقبل كما بالنسبة الى الجهات والأشخاص والمؤسسات والكيانات التجارية والمالية وكل من يتعاطى بالشؤون المالية ومنها شركات التأمين، وأخرى تعمل في مجال نقل الأموال بمعزل عن انتماءاتها الدينية او المناطقية والدول التي تعمل فيها في مختلف انحاء العالم. فالعقوبات لا تقتصر على ايران ودول المنطقة بل حيث تتمدّد ايران وحلفاؤها او توجد هذه الشركات الداعمة ويعمل الأشخاص المستهدفون».
وبعدما عبّر الموفد الأميركي عن تفهمّه للخصوصيات اللبنانية أبدى ارتياحه الى «التزام النظام المصرفي اللبناني بكل مقتضيات العقوبات ليبقى واحداً من أعضاء الشبكة المصرفية الدولية الموثوق بها ضماناً للاستقرار في لبنان ومن اجل وضع حد لداعمي الإرهاب والساعين الى نظام مصرفي دولي سليم معافى».
مجلس الوزراء والموازنة
في الموازاة، وللجلسة الثانية على التوالي، إنعقد مجلس الوزراء أمس «على نيّة» موازنة 2020، وجاءت الجلسة مختلفة عن سابقتها في اعتبارها الأولى بعد عودة رئيس الحكومة من فرنسا، حيث «اطمأن» الى وضع «سيدر»، واعداً بإجراء الإصلاحات اللازمة.
ولذلك، قرّر مجلس الوزراء تأليف لجنة وزاريّة مؤلّفة من 7 وزراء برئاسة الحريري، تكون مهمّتها درس الإصلاحات الماليّة والاقتصاديّة على المدى القصير والمتوسط والبعيد، ورفع التوصيات في شأنها تباعاً إلى مجلس الوزراء خلال مهلة شهرين. وأوضح وزير الإعلام جمال الجرّاح بعد الجلسة، أنّ «مهمّة هذه اللجنة هي البحث في طريقة موازية للموازنة لكلّ الإجراءات والإصلاحات الضروريّة التي يجب أن تترافق مع الموازنة، وليس من الضروري أن تكون ضمنها»، لافتاً إلى «حصول تقدّم كبير في النقاش في مواد الموازنة، حتى أنّ جميعها أُنجزَ باستثناء بعضها التي تمّ تعليقها لمزيد من البحث، ومنها: البند المتعلّق بمرفأ بيروت».
لجنة للإجراءات
وقالت مصادر «القوات اللبنانية» لـ«الجمهورية»، ان وزراءها «ليسوا في وارد الجلوس شهود زور في جلسات مناقشة موازنة 2020، وأنّهم لن يسمحوا بتكرار مسار موازنة 2019 والتحفظ عنها في مجلس الوزراء ثم معارضتها في المجلس النيابي، وهم قد رفعوا السقف في ممارسة دورهم الوزاري بما يتلاءم مع حجم الأزمة المالية والإقتصادية».
وفي هذا السياق، قالت مصادر وزارية انّ وزراء «القوات» طالبوا في جلسات الموازنة بالبحث في الإجراءات الاصلاحية المقدّمة من أكثر من طرف، والتي يجب ان تواكب مناقشة الموازنة وعدم الإكتفاء ببحث تقليدي في الأرقام في ظرف استثنائي كالذي تمرّ به البلاد، الأمر الذي أثار اعتراضات البعض. وعندها سجّل وزراء «القوات» إصرارهم على البحث في الإجراءات ضمن لجنة تجتمع بالتوازي مع جلسات الموازنة.
وقد وافق مجلس الوزراء على تشكيل اللجنة مع إعطائها مهلة ستة أشهر لإنجاز المهمة. فما كان من وزراء «القوات إلّا أن أصرّوا على السير بالتوازي بين اجتماعات اللجنة ومناقشة الموازنة. وبعد نقاش مستفيض شهد حدّة أحياناً، تمّت الموافقة على تشكيل لجنة تنجز مهمتها خلال شهر ونصف شهر، وتتألف من ثمانية وزراء برئاسة الحريري وعضوية الوزراء: غسان حاصباني، علي حسن خليل، كميل أبو سليمان، محمد فنيش، وائل بو فاعور، عادل افيوني، منصور بطيش ومحمد
شقير.
ولفتت المصادر الوزارية، الى انّ الحريري «تعاطى مع طرح «القوات» واعتبره عاملاً إيجابياً يصبّ في مصلحة معالجة الأزمة المالية والإقتصادية ويُطلق إشارات إيجابية إلى الداخل والخارج على حد سواء».
شدياق
وأكّدت وزيرة الدولة لشؤون التنمية الإدارية مي شدياق، أنّ الموازنة لن تستطيع وحدها معالجة الوضع الذي وصلنا اليه، ولذلك طالبت «القوات اللّبنانية» بتنفيذ إجراءات إصلاحية فوراً، لافتة الى أنّ «خارطة الطريق» التي قدّمها وزراء «القوات» تطرح خطوات عملية محدّدة بالأوقات والأرقام.
وعن المسار الذي تعتمده الحكومة في دراسة مشروع الموازنة قالت لـ«الجمهورية»: «موازنة عام 2019 لم تأت على قدر التوقعات، لذلك نريد أن نضع يدنا بيد الرئيس الحريري لنخرج بموازنة على قدر التوقعات». وشرحت، أنّ القوات لن تتفرّج على البلاد تغرق، بل تريد أن تمدّ يدها للمساعدة على الإنقاذ. وطالبت بعقد جلسات متتالية لدرس الخطوات العملية.
في نيويورك
وفي نيويورك، من المقرّر ان يكون رئيس الجمهورية قد التقى على التوالي في الاولى فجر اليوم، كلاً من الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون والرئيس المصري عبد الفتاح السياسي وملك الاردن عبدالله الثاني، وعرض معهم لمجمل الاوضاع في لبنان والمنطقة في ضوء التطورات والاحداث المتلاحقة على مختلف الصعد في ساحتيهما.
وليلاً قال باسيل في حديث تلفزيوني: «نحن كحكومة لا نوافق على كلام السيد نصر الله عن إيران، ونحن واضحون وهو يعرف ذلك».