أي خيار، عسكري أو اقتصادي أو سياسي، يقصر عن إسقاط النظام الإيراني، لا نفع فيه. إنه مضيعة حقيقية للمال والأمن والوقت.
انظر في كل مفاصل الأربعين عاما الماضية، وسترى أن هذا النظام، عدواني بطبيعته، وإجرامي بطبيعته، ويؤمن بما يفعل حد الموت. ولا يمكن تغيير هذه الطبيعة ولا بأي صورة من الصور. صحيح، أنه يعرض وجها ليّنا عندما يضعف أو يخشى، فيبدو أملسَ كالثعبان، وقد يرضى بتجرع كأس السم، إلا أنه حالما يقوى يعود ليمارس الشيء ذاته الذي يؤمن به.
لقد عاشت المنطقة تحت وطأة التدخلات والانقسامات الطائفية، وأعمال النهب والفساد والتخريب، لتدفع ثمن حقد مسموم في نفس كل مطيّة من مطايا العقيدة الصفوية.
ولو جاز للمرء أن يحصي التكاليف فإنها أبلغ من أي حرب. ولقد سقط ضحية أعمال العدوان الإيرانية الملايين من البشر، من العراق إلى سوريا ولبنان واليمن. الملايين فعلا. ولقد كان يمكن لمجموع الخسائر المادية أن يكفي لتحويل المنطقة إلى جنة. إلا أنها اليوم تحيا على خراب تام وفساد تام وميليشيات تمارس الرعونة حيال مجتمعاتها لخدمة أحقاد تلك العقيدة المريضة.
حتى أن إيران لا تدافع عن مصالحها. إنها تخرب فقط. وكأن الخراب بذاته هو الهدف، ولو طالها ما طالها منه.
إيران لم تكسب في الواقع شيئا، وهي تعرف ذلك. أي قراءة في الواقع الاقتصادي والاجتماعي القائم في إيران، سوف تستخلص أنها تعاني من خراب مماثل. والسبب هو أن مرضا دفينا في النفس، يجعل من العقيدة الصفوية، نوعا من وباء لا شفاء منه. وظيفته الهدم. إنه طاعون مذهبي، يقوم على حقد مر وعصيب ومتأصل وشرس وقبيح ومتعفن.
يحتاج الأمر من صنّاع القرار في المنطقة أن يأخذوا فقط بالحلول القصوى: الدمار الشامل. لأنه هو وحده الرد على حال الدمار الشامل الذي تفرضه إيران عليهم.
نعم، نحن نتحاشى الحرب. ربما لأن الكثير منا ينظر إلى حساب يومه، ويريد أن يترك للأيام أن تفصل في ما لا نريد أن نفصل فيه نحن، توفيرا للتكاليف على الأرجح. ولكن قد ثبت أن هذا الحساب خاسر جملة وتفصيلا.
حتى جاء حسن نصرالله ليهددنا بأن بيوتنا من زجاج. كل بيوت البشر من زجاج. كل اقتصاد العالم من زجاج أيضا. فلماذا يجب أن نعيش في أقبية كما يعيش هو؟ أو كهوف كما يعيش أسياده؟
ولكنه إنما أراد أن يهدد العمران الذي يثير في نفسه الحقد والحسد. وتهديده، فارغا كان أم لا، يتطلب ردا يهدم الكهوف والأقبية. دع عنك كل الضحايا الذين سقطوا هنا وهناك. دع عنك كل الخسائر الناجمة عن أعمال النهب والفساد. دع عنك الملايين من المهجرين والفقراء. دع عنك الصراعات الطائفية التي أنتجت الإرهاب. دع عنك كل التكاليف التي يتطلبها التسلح في منطقة واقعة تحت سطوة التوتر. دع عنك كل هذا. وهو كثير. ولكن ها نحن هنا أمام وضع يُرهب العالم بأسره، ويهدد استقراره، ويضع اقتصاده على شفير هاوية لا يعلم أحد مستقرها ومنتهاها.
إيران، هذا النظام، إنما تتخذ العالم كله رهينة لمشروعها التخريبي. فإما أن نقبل به ونظل ندفع تكاليفه، وإما أن نضع له حدا. والحد هو الحرب. والحرب مع نظام كهذا لا بد أن تقصد، منذ الساعة الأولى، دماره الشامل.
طبعا، نحن نسمع ملالي إيران يهددوننا بهذه الحرب، ويعدون بسحقنا بها، بل ويعدون بأن تمتد من المحيط الهندي إلى المتوسط. ولكنهم يقولون ذلك لأن الذعر يدب في أوصالهم.
مرة أخرى، وأخرى، وعاشرة: إيران لا تملك القوة العسكرية لذلك. ولكن، نعم. إنها تملك شيئين: صواريخ وميليشيات. أما الصواريخ، فإن تدمير مراكز إطلاقها ليس بالأمر العسير. ولقد قدمت الحرب ضد العراق الكثير من الخبرات التي تكشف كيف يمكن أن تقع قوة عسكرية ضخمة على ركبتيها في أيام قلائل. المثال جارح للكثيرين. ولكن الخبرة خبرة في النهاية. وأما الميليشيات، فإنها كأي عصابات في تاريخ البشرية، تنطوي على مؤثرات سيكولوجية تكاد تكون ثابتة. بعضها فقط، يكفي للقول إنها ليست سوى تهديد مذعور، وسرعان ما سينطفئ، لتكسب النجاة.
الدمار الشامل هو الخيار الوحيد. المجتمع الإيراني يمكن أن يُظهر نضجا. فعندما يتم قطع رأس الأفعى فإنه سوف يتحرر ليشفى من الداء بسرعة. وهناك قوى سياسية، منفية أو مختفية، يمكنها أن تستأنف بناء نظام جديد.
لقد أمكن لألمانيا واليابان أن تنهضا من دمار شامل، لتستأنفا طريقة أصلح للعيش. وهو ما يعني أن الدمار الشامل ليس بحد ذاته معضلة.
المعضلة هي أن يبقى الطاعون ينهش من حياتنا وحياة الإيرانيين ما ينهش.
عندما رضي الخميني بتجرع كأس السم، فإنه وهو في قبره، عاد ليضحك. هزيمته وقعت عام 1988، ولكن بقي الطاعون.
نحن ندفع مئات المليارات كل عام على شراء أسلحة ومعدات وذخائر. ولقد تراكم لدينا منها الكثير. وما زال بوسعنا أن نضيف إليها قدرات إستراتيجية أخرى، تضمن الفائدة منها. وأول الفائدة: أن نستخدمها بالفعل، لا أن ننتظر حتى تقع الفأس بالرأس. فنرتبك ويرتبك معنا العالم.
الشيء الوحيد الصحيح، هو أن ندلقها كلها على رأس هذه الأفعى، يوما بعد آخر، دون توقف. وكلما رفعت رأسها بعرض ناعم، توجب ضربها بأعنف فأعنف، حتى ينبلج الفجر.