إتّخذ مجلس الوزراء قراراً بتكليف الجيش أن يرسل ضباطاً وجنوداً للمشاركة في قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة. ومعلوم انّ أية قرارات من هذا القبيل تحتاج الى تعليمات تنفيذية، مثلها مثل كل القرارات التي تتصل بالمؤسسة العسكرية.
حتى القانون الذي يصدّق في مجلس النواب يُخَصّص لاحقاً بتعليمات تطبيقية بتفاصيلها الدقيقة من قبل المؤسسة العسكرية. لكنّ الأهم في هذا الشأن انّ القرار اتُّخِذ، وأصبحت قيادة الجيش ملزمة المشاركة في قوات حفظ السلام عندما تتأمّن الظروف للمشاركة الفعّالة.
«قوات لبنان» للمرة الأولى
هي سابقة يجدر تقييمها والتوقّف عندها، إذ انه لم تُعرض سابقاً على لبنان المشاركة في قوات حفظ السلام، وإذا عُرِض الأمر عليه فإنّ أي تجاوب في السابق لم يصدر عن الدولة اللبنانية، كما انها المرة الأولى التي تتجاوب فيها الحكومة اللبنانية مع طلب الأمم المتحدة في هذا الشأن. وبناءً على طلب قيادة الجيش، وافقت الحكومة على مشاركة لبنان في قوات حفظ السلام بأعداد رمزية.
فكيف يمكن قراءة تلك الأعداد الرمزية التي هي تعبير فَضفاض ومُتموّج بالنسبة الى عديد عناصر الجيش الذي يبلغ حوالى ٨٠ ألفاً؟ بمعنى عملي، يمكن لتلك الاعداد الرمزية أن تبلغ ألفاً، كما يمكن ان تُختصر رمزيتها بمجموعة لا تتجاوز 10 ضباط و10 رتباء. أي يمكن للتمثيل اللبناني المشاركة مع «فريق هدنة» محدّد، كما يمكنه المشاركة «كقوات فصل»، وإذا جاءت مشاركته في قوات الفصل فإنه سيحقق المكاسب الآتية:
المكسب الأول، عَددياً: اذا شاركَ 100 عسكري في قوات حفظ السلام ستتحول رواتبهم من الامم المتحدة مباشرة وليس من الدولة اللبنانية، ومعلوم انّ تلك الرواتب تتجاوز 4 آلاف دولار أميركي للعسكري. ومقارنة براتبه المحلّي الذي لا يتجاوز المليون ليرة، يساهم هذا القرار الى حدّ بعيد في تحسين مَعيشة العسكريين المشاركين في قوات حفظ السلام، علماً انّ هؤلاء يُستَبدلون سنوياً. ويذكر أنّ مجموع ما سيتقاضاه هؤلاء يتراوح بين 50 و60 ألف دولار، ومن شأن هذه المبالغ أن تبدّل مجرى حياتهم، خصوصاً إذا جاءت مُداورة.
المكسب الثاني، بمجرّد أن يصبح لبنان مُشاركاً في قوات حفظ السلام، يصبح بإمكانه أن يفرض على DPKO
(Departement peace keeping operation) بالإضافة الى ضبّاط الخدمة الفعلية ضبّاطاً متقاعدين في وظائف مدنية.
وعندما يرسل الجيش آليّات، فإنّ قيادة الجيش تتقاضى ثمن استخدامها، أي تعتبر الآليات كأنها مُستأجرة. علماً أنّ إيجار العتاد والآليات العسكرية يفوق بضعة آلاف دولار بنسَب مضاعفة، خصوصاً إذا احتُسِبَت يومياً، فيما ترتفع وتتضاعف كلفة تلك الآليّات اذا كانت محمّلة أعتدة أو أسلحة.
تبقى النقاط الحسّاسة التي لا يمكن وضعها في إطار المساوىء، ولكن من الجدير التوقّف عندها. مثلاً، لا يمكن للقوة اللبنانية المشاركة بصفة رسمية مع قوات «اليونيفيل»، ولكن هل يمكنها المشاركة مع «الأندوف»، أي فريق المراقبين، في قوات حفظ السلام في سوريا؟
في المقابل تستطيع قوى حفظ السلام اللبنانية العمل والحركة في أماكن محددة مُسبقاً، فيما لو شاركت مستقبلاً مع قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة.
وفي المعلومات أنّ مداولات جرت في هذا الإطار في الأمم المتحدة، التي أخذت علماً بوجوب مراعاة هذه النقاط الحساسة، ووافقت على تعيين قوات حفظ السلام اللبنانية في الأماكن التي لا تتعارض مع طبيعة علاقات لبنان مع الخارج، وخصوصاً مع إسرائيل، ولا تتعارَض أيضاً مع قرارات لبنان في الداخل أو مع «تركيبته» المتعددة الطوائف.
النقطة الثانية التي قد تسبّب إشكالية، هي محاولة الولايات المتحدة إنشاء الجيش العربي أو الإسلامي وجَعل قيادته في الأردن، وسيتألف من وحدات غالبيتها من الدول الإسلامية، ومهمّة هذا الجيش مكافحة التطرف الإسلامي، ولبنان ليس مشاركاً فيه، فقد يُطلب من لبنان المشاركة أسوَة بقرار مشاركته في قوات حفظ السلام. الأمر الذي لا يتلاءم في المبدأ مع تركيبة الجيش والمفهوم اللبناني، لأنّ تعريف الجيش المنوي إنشاؤه هو إسلامي، في وقت لا يعتبر لبنان دولة إسلامية، بل جمهورية لبنانية. وهو الأمر الذي يمكن اتخاذه عذراً لعدم المشاركة.
في الخلاصة يعتبر قرار الحكومة اللبنانية مشاركة لبنان وجيشه، ولو رمزياً، في قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة قراراً جريئاً ستستفيد منه الدولة اللبنانية ومؤسسة الجيش، على حدّ سواء، بعد أن تصبح جزءاً من المنظومة الأمنية لحفظ الأمن والسلام في العالم. وهي النقطة المهمة التي من المرجّح أن يتطرّق اليها الرئيس عون، كما يمكنه البناء عليها في كلمته المرتقبة في الأمم المتحدة. فهل يعود مِن هناك مُحَمّلاً بالوعود ومُثقلاً بالتنبيهات أم يعود مُتأمِّلاً بمكاسب إضافية؟