خطفت الأضواء عمليات القصف المركّزة التي استهدفت فجر السبت الماضي (14 ايلول 2019) معملَيْن لشركة «أرامكو» السعودية في حقلي «بقيق» و«هجرة خريص» في المنطقة الشرقية للمملكة، متقدّمة باقي الأزمات المنتشرة على مساحات النزاع الدولية في مختلف اصقاع الأرض، فاعتبر الخبراء العسكريون والديبلوماسيون انّها اختصرت كل الأزمات في واحدة هي أخطرها، بعدما تبيّن انّها استهدفت ما يمكن اعتباره 8 % من انتاج النفط بمختلف مشتقاته التي تحتاج اليها الأسواق العالمية.
لم يكن مستغرباً الإجماع الدولي على إدانة ما حصل والتوقعات السلبية التي بُنيت على ما تسرّب من معلومات أولية عن الحادث في شكله وتوقيته ومضمونه والنتائج المترتبة عليه. فالمشرفون على قطاع الطاقة الدولية يدركون اهمية العملية وخطورتها بنسبة تفوق كل التوقعات السياسية والديبلوماسية.
وبمعزل عن ردود الفعل التي واكبت العملية على اكثر من مستوى، بقي ما هو ثابت في كل القراءات التي سُرّت للعملية او دانتها، أنّ مصادر القصف ليست الأراضي اليمنية ولا الحوثيون هم ابطالها. لذلك توجّهت الأنظار منذ اللحظة الأولى الى الصحارى والدول الواقعة شمال وشرق المملكة قبالة جارتها الإيرانية وقواعدها في العراق او تلك المجاورة للحدود الكويتية لا فرق.
وبعيداً من الشكليات، لم يكن هناك من سيناقش بأنّ التحقيقات التي أُجريت من اللحظة الأولى كشفت مصادر الصواريخ الـ17 التي استهدفت المنشآت النفطية، وتوسّع البحث عن عدد مماثل لها تاه في الصحراء السعودية جنوب العراق وغرب إمارة الكويت.
فالمنطقة تعجّ بمراكز الرصد التي تحملها البوارج الأميركية والبريطانية وغيرها من الأساطيل التي تجوب بحر العرب ومضيق هرمز، عدا عن المواقع العسكرية السعودية والأميركية المنتشرة في البر والبحر. ذلك انّ البحث بدأ منذ اللحظة الأولى في كيفية الرد وحجمه وما يمكن ان تؤدي اليه سلسلة الخطط العسكرية، سواء تلك الموضوعة تحت عنوان التفاهمات التي يرعاها منطق «البترو دولار» ومجموعة التفاهمات المعقودة بين السعودية والأميركيين ودول أخرى لحماية الثروة النفطية من ضمن حماية الأراضي السعودية الواسعة النطاق، والتي تتجاوز حجم الدول المنتشرة في المنطقة ومساحاتها.
وعليه، تحدثت التقارير الديبلوماسية العاجلة التي وصلت الى بيروت من أكثر من عاصمة، انّ الإتهام الموجّه الى ايران في هذه العملية هو الأقرب الى كل منطق. فالحكومة الإيرانية التي تواجه اخطر العقوبات المفروضة عليها قد تصل الى مثل هذه العمليات قياساً بحجم الخسائر التي مُنيت بها.
والأغرب من كل ذلك أنّ توقعات الإستخبارات الأميركية وحلفائها، كما الخصوم، يتوقعون ان تبقى ايران في موقع المبادر في هذه المرحلة، فلم ينسَ الجميع بعد عملية اسقاط الطائرة الأميركية المسيّرة فوق بحر العرب (18 تموز 2019) لمجرد اقترابها من المياه الإقليمية الإيرانية، والتي لم تردّ عليها الأساطيل الأميركية بالمثل حتى الأمس، رغم التهديدات التي صاحبت الحدث وتلته، وتطور العقوبات التي فُرضت على ايران.
وبناءً على ما تقدّم، تُدرس السيناريوهات المتداولة عبر المراجع الديبلوماسية والعسكرية على اكثر من جبهة. وباستثناء الرد المباشر في اتجاه الأراضي الإيرانية والمنشآت المماثلة المستبعدة من كل السيناريوهات المطروحة في السر والعلن، فانّها تقول بالآتي منها على سبيل المثال لا الحصر:
- فرض المزيد من العقوبات على الجهات التي تساعد ايران على الخروج من برامج العقوبات الأميركية وتجاهلها. وتتجه الأنظار الى اكثر من منطقة في العالم وتتقدّمها الصين وكوريا الشمالية، عدا عن تعزيز العقوبات على روسيا التي لم تجارِ الأميركيين والخليجيين في اتهامها ايران بالعملية.
وفي حال اللجوء الى هذا الأسلوب فإنّ الأنظار تتجّه الى بعض الدول الأوروبية التي ما زالت تنادي بإعادة نظر اميركية بالتفاهم النووي بين ايران ومجموعة الدول (5+1) وفي مقدّمها المانيا، التي تبنّت المستشارة الألمانية انجيلا ميركل اصلب المواقف قبل ساعات قليلة، والتي اعتبرت انّ العودة الى هذا التفاهم يُنهي ما يجري في الخليج.
- السعي الى استصدار قرار من مجلس الأمن يضع المناطق الخطرة في العالم في عهدة قوة دولية تسعى واشنطن الى بنائها وتكليفها هذه المهمة تحت طائلة «الفصل السابع»، ولا سيما لجهة حماية المعابر النفطية في العالم واكبرها واخطرها «مضيق هرمز» والخليج العربي، بعد تكرار عمليات احتجاز البواخر على يد البحرية الإيرانية. وهو موقف بدأت الدول الكبرى تفكّر في الإنضمام اليه بعد العملية، ومنها دول اوروبية وأخرى آسيوية بالاضافة الى الخليجية منها.
وتعليقاً على هذه السيناريوهات، ثمة من يعتقد انه كان يمكن ان تكون ردود الفعل اقسى واكبر لو لم تتجاوز المملكة النتائج الكارثية للعملية، فأعادت العمل في المعامل المستهدفة، كما كانت في السابق في اقل من اربعة ايام، واعطت نموذجاً يخفف من مخاطر الإعتداء مرة اخرى على ثروة عالمية لا سعودية فقط. وهو ما ادّى الى استيعاب الكثير من التداعيات السلبية المحتملة.
وما تجمع عليه المراجع الديبلوماسية يلخّص بأنّ الأميركيين جادون في عدم القيام بأي جهد عسكري يكلّف دولاراً إضافياً الى ما تقوم به اساطيلها وقواعدها في المنطقة.
وما زيارة وزير الخارجية مايك بومبيو للرياض سوى لتحضير الأجواء الدولية التي ستنقل مسار العقوبات على طهران من بوابتها الأميركية الى البوابة العالمية، وهو مسار طويل الأمد ينهي الكثير من المحاولات الصغيرة للمس بهيبتها ومدى تأثير عقوباتها، وهو ما لا تريد اميركا تجاوزه في الوقت الراهن كرمى لأي كان، ولو كان الحليف السعودي في المقدمة.