الداخل اللبناني يرصد حركة التطورات هذه، وتساؤلات كثيرة تطرح على أكثر من مستوى حول امتدادات هذا التصعيد وتداعياته على أمن دول المنطقة واستقرارها، وثمّة خشية كبيرة يعبّر عنها اكثر من مسؤول من ارتدادات الارباك المُتجدّد في سوق النفط العالمي، بعد استهداف «ارامكو»، والذي تجلّى أخيراً في ارتفاع ملحوظ في اسعار النفط، الأمر الذي قد تكون له انعكاساته بارتفاع اسعار المحروقات وكل ما يتصل بها، وهو أمر لن يكون لبنان بمنأى عنه، بما يُلقي على اللبنانيين أزمة جديدة تضاف الى أزمتهم الاقتصادية الخانقة التي يتخبّطون فيها.
3 خطوط
في موازاة ذلك، يبدو انّ لبنان مُتنقّل على ثلاثة خطوط: الاول، خط بيروت نيويورك الذي يسلكه رئيس الجمهورية العماد ميشال عون الاحد المقبل للمشاركة في أعمال الجمعية العمومية للأمم المتحدة.
والثاني، خط بيروت الرياض باريس، الذي سلكه رئيس الحكومة سعد الحريري أمس الى العاصمة السعودية، وقالت مصادر واسعة الإطلاع لـ«الجمهورية» انّ هذه الزيارة مناسبة للتفاهم على موعد لعقد اجتماع للجنة العليا المشتركة اللبنانية - السعودية خلال تشرين الاول المقبل للتشاور في مصير بعض الإتفاقيات اللبنانية - السعودية، ولتمويل المملكة بعض المشاريع التي تم التفاهم بشأنها في وقت سابق عبر شكل من أشكال القروض المُيسّرة التي قد تواكبها وديعة مالية كبيرة في مصرف لبنان تدفع الى مزيد من الاستقرار على الساحة اللبنانية.
وهنا تجدر الاشارة الى حدث لافِت، تمثّل بإعلان وزير المالية السعودي محمد الجدعان أنّ المملكة تجري محادثات مع حكومة لبنان في شأن تقديم دعم مالي.
وقال: نضع أموالنا والتزامنا في لبنان، وسنواصل دعم لبنان ونعمل مع حكومته. وقد انعكس كلام الوزير السعودي على أسعار السندات الحكومية اللبنانية المقوَّمة بالدولار، والتي ارتفعت مباشرة بين 1.8 سنت و1.9 سنت.
ومن الرياض ينتقل الحريري الى باريس للقاء الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون يوم الجمعة. وبحسب بيان للرئاسة الفرنسية، انّ ماكرون سيتناول مع الحريري مسألة الهجوم الذي تعرضت له السعودية، كما سيعمل خلال اللقاء على تأكيد نيّته زيارة بيروت في 2020 لمناسبة مئوية قيام دولة لبنان الكبير. وكذلك سيؤكد للحريري دعم باريس لقوات اليونيفيل.
الموازنة
وأما الخط الثالث، فهو محاولة لبنان حفر جبل أزمته بإبرة، لعله يعثر على مضادات حيوية للكَمّ الهائل من الالتهابات والاورام الخبيثة التي تضرب كل مفاصل الاقتصاد.
وها هي الحكومة تدخل عملياً، واعتباراً من يوم أمس، في نقاش موازنة 2020، بوصفها خطوة نوعية في الطريق المؤدي الى الانقاذ المنشود، قارِنة هذا النقاش بتطمين من قبل وزير المال علي حسن خليل بعدم تضمين الموازنة أي ضرائب جديدة لأنّ الناس لم تعد تحتمل.
قطع الحساب... لأول مرة
وعلمت «الجمهورية» أنّ وزارة المال أنجزت قطع حساب العام 2018، وسيُحال في القريب العاجل الى ديوان المحاسبة للتدقيق فيه، على أن يُحال الى مجلس النواب مع موازنة 2020.
وقالت مصادر وزارية معنية بالموازنة لـ«الجمهورية»: «إنّ وزارة المال خَطَت خطوة متقدّمة جداً في هذا المجال، لأنّه، ولأوّل مرة منذ أكثر من 25 سنة، تُحال الموازنة مع قطع الحساب، ما يعكس صورة إيجابية جداً للمجتمع الدولي، ويعطي ثقة بعودة الإنتظام الى المالية العامة بحسب الأصول القانونية والدستورية».
أكثر من إشكالية
وقد أوحَت وتيرة مناقشات موازنة 2020، أمس، بوجود قرار بتسريع إقرار المشروع. وعلى رغم انّ جدول الاعمال لم يكن مقتصراً على الموازنة، فقد تمّ أمس إقرار 14 بنداً من أصل 32. لكنّ المضي بهذه السرعة لن يستمر لاحقاً، عندما تصل النقاشات الى الاوراق الواردة الى طاولة مجلس الوزراء من أكثر من طرف.
ورغم انّ كل الاطراف سبق وقدمت أوراق اقتراحاتها للوضعَين المالي والاقتصادي، ورغم مقررات بعبدا التي تعتبر نتاج تفاهم وتقاطع بين كل المشاريع التي جرى تقديمها، إلّا أنّ ذلك لم يمنع الاطراف المشاركة في الحكومة الى إعادة الكرة، في تقديم مقترحات قديمة جديدة، للمناقشة.
وبين نظرية الاولوية للانقاذ، ولو على حساب الاجراءات الموجعة، ونظرية انّ الانقاذ لا يمكن ان يتم من جيوب الناس، لا يبدو مَخاض الولادة سهلاً. فمن المؤشرات المقلقة في مشروع موازنة 2020 انّ العجز فيها - من دون احتساب دعم الكهرباء - أكبر من عجز موازنة 2019.
لكن بعد إضافة دعم الكهرباء، يصبح عجز موازنة 2019 أكبر، على أساس انّ مشروع موازنة 2020 حَدّد سقف الدعم للكهرباء بـ1500 مليار ليرة. وهنا يتكرر السؤال: هل سيتم التزام هذا السقف ويُطلب من مؤسسة الكهرباء جَدولة التقنين ليتماهى مع هذا المبلغ السنوي؟
اذا كان كذلك، واذا أخذنا في الاعتبار ارتفاع اسعار النفط، فهذا يعني انّ التقنين سيرتفع من 12 ساعة يومياً الى حوالى 6 ساعات فقط. فهل سيتقبّل المواطن خفض التغذية الى النصف بدلاً من زيادتها التدريجية الموعودة؟
أبو سليمان
الى ذلك، قال وزير العمل كميل أبو سليمان لـ«الجمهورية»: قبل ان نخوض في الموازنة، يجب ان تكون لدينا صورة عامّة للوضع الاقتصادي والمالي. فالوضع صعب، وأحوال الناس المالية صعبة جداً، وقبل ان نضع أهدافاً وقرارات، يجب أن نكون على ذات الفهم لِما آل إليه وضع البلد.
أضاف: في مناسبة درس الموازنة، ليس ما يمنع أبداً ان يضع وزير المالية وحاكم مصرف لبنان تقريراً يُبَيّن حقيقة الوضع، لنعرف اين يجب ان نخفّض واين يجب ان نزيد. فالموازنة يجب ان تتم على اساس ارقام واقعية، سواء ما خَصّ العجز او النفقات او الواردات. كما انّ الاساس في الموازنة هو أن تكون مُرتكزة على خطة متكاملة ليس فقط للنمو، بل لإنقاذ البلد، فنحن في حفرة عميقة، ويقتضي الخروج منها تخفيض جدّي للعجز، وايضاً تخفيض جدّي للعجز في الميزان التجاري.
ورداً على سؤال عمّا اذا كانت الموازنة ستتضمّن «إجراءات موجعة»، قال: قبل الحديث عن ذلك، يجب أن تُستعاد ثقة الناس. واذا كان هناك من تضحية مطلوبة، فإنّ هذه التضحية يجب ان تكون أولاً من الفريق السياسي وإنهاء كل الوضع الشاذ من الهدر والفساد.
بطيش
وقال وزير الاقتصاد والتجارة منصور بطيش لـ«الجمهورية»: نتطلّع الى إنجاز الموازنة في أقرب وقت. وأشار الى اننا ما زلنا في المراحل الاولى من النقاش، وبالتأكيد اننا ذاهبون في اتجاه إصلاح جدي، ومعالجة جدية للوضع الاقتصادي.
ولفت الى انّنا عَبّرنا عن موقفنا في الورقة الاقتصادية في بعبدا، وكذلك في ورقة تكتل لبنان القوي، وخلاصتها أن نصل الى موازنة تؤمن المزيد من الواردات، والمزيد من تخفيض النفقات والعجز، وتتضمن تحسيناً وتحفيزاً للانتاج. وفي موازاة الموازنة، نحن في اتجاه إصلاح للوصول الى تخفيض في الميزان التجاري.
وقال: نقاشات اليوم الأول للموازنة سارت في جو إيجابي، واعتقد انّ الجميع مدركون للمسؤولية الملقاة على عاتقهم لمعالجة الأزمة وإنقاذ البلد.
داود
وقال وزير الثقافة محمد داود لـ«الجمهورية»: المطلوب أن ننجز الموازنة ضمن المهل القانونية، ويفترض ان نكون قد استفدنا من التجربة السابقة، حيث ضاع المزيد من الوقت، وتأخّرت موازنة 2019 لعدة أشهر.
وامل أن تشكّل هذه الموازنة نقلة نوعية عن الموازنات السابقة، وتتضمن الأسس التي يمكن البناء عليها على طريق معالجة الأزمة الاقتصادية. وليس المهم رقم العجز، سواء كان 7 في المئة او 6 في المئة او أقلّ من ذلك، بل الأهم هو أن تأتي الموازنة كما نريدها متوازنة وشفّافة وفرصة للانقاذ والاصلاح الجدي، تُشعر المواطن اللبناني بأنّ العجز قد انخفض فعلاً وانه بدأ يخطو الخطوات الجدية نحو استعادة عافيته، والشرط الأساس لكل ذلك، انصراف الجميع، وفي مقدمهم الحكومة، الى العمل الجدي والمنتج لأننا اصبحنا في سباق مع الوقت، والوضع الاقتصادي لا يحتمل المزيد من التأخير.
وإذ شدّد على انّ المهم هو الّا نُدخِل نقاش الموازنة في بازار المزايدات والتنظيرات، قال: المطلوب نقاش موضوعي وعلمي، واذا كان هناك من افكار وطروحات، فلتكن عملية وقابلة للتطبيق.
واشار الى انّ الموازنة محطة مهمة، ويوازيها اهمية هو العمل المستمر، ولاسيما على الصعيد الحكومي، وصولاً الى إجراء اصلاح هيكلي، وسَدّ كل منافذ الهدر والفساد والسرقات، وفي هذا السبيل يبقى ان تكون كل جلسة لمجلس الوزراء مندرجة تحت عنوان حالة طوارئ اقتصادية للانقاذ.
عين التينة
وقد حضر موضوع الموازنة في لقاء رئيس المجلس النيابي نبيه بري مع نواب الاربعاء، حيث شدّد على «وجوب الاسراع في ملء الشواغر، وإجراء التعيينات في السلك القضائي وديوان المحاسبة، وتعيين مجلس إدارة مؤسسة الكهرباء والهيئة الناظمة لهذا القطاع».
وما لفت في كلام رئيس المجلس إشارته الى «انّ الحصار والعقوبات الاقتصادية التي تُفرض على لبنان لا تَطال أشخاصاً او فئة بعينها او بيئة المقاومة، كما يعتقد البعض، إنما تطال كل اللبنانيين وتعبّر عن موقفٍ تجاه لبنان وشعبه».
قاسم
في السياق نفسه، وربطاً بملف العقوبات الاميركية على «حزب الله»، إتهم نائب الامين العام للحزب الشيخ نعيم قاسم جهات لبنانية، لم يسمّها، بأن لها دورا في هذا الامر.
وقال قاسم لـ«الجمهورية»: لدينا معلومات بأنّ هناك جهات داخلية هي جزء من منظومة الترويج للاميركيين وعقوباتهم، وتتولى رفع تقارير دورية للاميركيين، وتقترح عليهم إجراءات معينة حول كيفية مواجهة «حزب الله» في لبنان.
وأكّد قاسم أنّ العقوبات الاميركية لن تؤثر على «حزب الله». وقال: اذا كان الاميركيون، بحسب منطقهم، يعتقدون انهم يعاقبون «الحزب»، فهذا نفهمه لأنّ هناك عداوة بيننا وبينهم، و«الحزب» أصبح مُتعايشاً مع هذه العقوبات ولا يكترث لها، لكن ان يفكّر الاميركيون - بحجة العلاقة مع الحزب - باستهداف مواطنين لبنانيين ومؤسسات لبنانية، وأن يتدخّلوا في البلد وإدارة البلد، ويدفعوا الامور باتجاهات معينة ويأمروا الحكومة والبنك المركزي بترتيبات معيّنة، فهذا معناه انه لا يبقى هناك قانون او نظام في البلد، بل نصبح كمقاطعة أميركية تتلقى الأوامر من الرئيس الاميركي، فهذا لن نَقبل به، ونحن حاليّاً ندرس الخيارات المناسبة.
وانتقد قاسم ما سَمّاها «بعض الاصوات التي تهاجم «حزب الله» في الداخل وتحمّله مسؤولية كل شيء»، وقال: «هناك فئة قليلة من الشخصيات التي تحاول ان تبحث لها عن حضور أو مكان في السياسة الداخلية، وتسعى من خلال الهجوم على «حزب الله» لأن تقدّم أوراق اعتمادها لدى الاميركيين والقوى الخارجية، لكنّ هذه الاوراق غير قابلة للصرف ولا تُقلق «حزب الله»، فالمعادلات في لبنان تغيّرت والمنطقة تغيّرت. وفي الخلاصة هذه الاصوات مجرّد قنابل صوتية لا فعالية لها، ولسنا مهتمّين بهذا النوع من التصريحات. ولا نعتقد أنها ستوفّر لهم مكانة أو قدرة إضافية، بل أعتقد انها تؤثر عليهم سلباً.
المؤتمر الأول للتراث المسيحي
في سياق آخر، إفتتح البطريرك مار بشارة بطرس الراعي أعمال المؤتمر الأول حول «التراث المسيحي المشترك في الوادي المقدس» في حديقة البطاركة في الديمان، بدعوة من «رابطة قنوبين للرسالة والتراث»، في حضور النائب نعمة افرام ممثلاً رئيس الجمهورية العماد ميشال عون وبطاركة الشرق الكاثوليك والأرثوذكس وفاعليات. وقبيل افتتاح أعمال المؤتمر دشّن الراعي و بيت الذاكرة والإعلام في موقع حديقة البطاركة، ثم ازاح الستارة عن لوحة تذكارية تخلّد المناسبة