حتى صباح الغد، يكون المسؤول العسكري السابق لمعتقل الخيام، العميل عامر الفاخوري، قد أمضى في السجن خمس ليالٍ، منذ أن اوقفته المديرية العامة للأمن العام يوم الخميس الفائت، بناءً على إشارة مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي بيتر جرمانوس. وغداً، من المنتظر ان تباشر قاضية التحقيق العسكرية، نجاة أبو شقرا، استجوابه، بناءً على ادعاء معاونة مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضية منى حنقير، التي طلبت استجوابه بناءً على مواد قانونية تصل عقوباتها القصوى إلى الاعدام (التعامل مع العدو، دخول أراضي العدو، حيازة الجنسية الاسرائيلية، التسبب بالقتل والتعذيب).
وحتى ليل أمس، استمرت كل القوى السياسية والامنية والقضائية بالتبرؤ من مسؤولية إفساح المجال امامه للعودة إلى لبنان. وبدا واضحاً وجود ما يشبه الإجماع على محاسبة الفاخوري. النائب وليد جنبلاط الذي تُحسب القاضية أبو شقرا على حصته في المحكمة العسكرية، كان اول من ادان السماح له بالعودة إلى لبنان. القوى المقاوِمة (الحزب الشيوعي وحركة امل والحزب السوري القومي الاجتماعي...) تحركت ميدانياً، وسياسياً، لرفض تبييض صفحات العملاء. وبرز أمس موقف حادّ لحزب الله في هذا السياق. فبعد تحرّك مسؤولي ملف الأسرى في الحزب، ووسائل إعلامه، لمواكبة قضية الفاخوري، قبل ان يخرج مسؤولون منه بمواقف عالية السقف، أكّد رئيس المجلس التنفيذي في الحزب السيد هاشم صفي الدين أمس أن «الإجرام وارتكاب المجازر وتعذيب الأسرى من المقاومين والرجال والنساء، لا يمكن أن يمحى بتقادم السنين كما يتم الحديث على المستوى القانوني اليوم». وسأل صفي الدين عن المخطط الذي أتى الفاخوري، بجنسيته الأميركية، من أجل تنفيذه، «علما أنه عميل مجرب». وطالب صفي الدين بـ«محاكمة هؤلاء المجرمين خاصة ممن لا يزالون مرتبطين بالعدو الإسرائيلي، وإنزال أشد العقوبات بهم، ومن يباشر بهذا الملف، أيا كان، عليه أن يتعاطى معه على أنه حساس وخطير، وأن يتذكر دائما أن هناك أسرى وشهداء وجرحى من المقاومين تعذب بعضهم وقضى بعضهم الآخر على يد هذا المجرم العميل، وأن هناك سؤالا سيجيب عنه أمام أولئك الذين تحملوا من هذا العميل وغيره كل هذه التضحيات سواء في سجن الخيام أو في غيره».
ويوم امس أيضاً، كان رئيس التيار الوطني الحر، وزير الخارجية جبران باسيل، واضحاً لجهة المطالبة بمحاسبة الفاخوري، والفصل بين ملفه وملف الفارين إلى فلسطين المحتلة عام 2000 من الذين لم يتورطوا قبل ذلك في التعامل مع العدو. وكان لافتاً موقف القوات اللبنانية الذي عبّر عنه وزير العمل كميل بو سليمان، إذ اعتبر أن الجرائم المنسوبة إلى الفاخوري، وخاصة جرائم التعذيب، لا تسقط بمرور الزمن.
في مقابل «الإجماع» السياسي على المطالبة بمحاسبة الفاخوري، ارتفع منسوب التدخل الأميركي في هذه القضية. وعلمت «الأخبار» أن هذا الضغط لا يقتصر على مسؤولين من السفارة يضغطون تحت عنوان تقديم الدعم لمواطن اميركي، بل وصل الأمر إلى تحرّك اعضاء في الكونغرس الأميركي، وإجرائهم اتصالات بمسؤولين لبنانيين للمطالبة بالإفراج عن الفاخوري بذريعة أنه دخل لبنان كمواطن اميركي، وان ما يُنسب إليه سقط بمرور الزمن. كذلك تولى محامون أميركيون البعث برسائل تهديدية إلى وزراء لبنانيين، محذّرين من أن ملف الفاخوري بات في عهدة أعضاء في الكونغرس.
في المقابل، علمت «الأخبار» أن وزير الدفاع الياس بوصعب استخدم مسبقاً الصلاحية التي يمنحها إياه قانون القضاء العسكري، فأوعز إلى مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية باستئناف أي قرار يصدر عن قضاة التحقيق بإخلاء سبيل الفاخوري.
على صعيد آخر، لم يفصح الجيش بعد عن الأسباب التي ادت إلى سحب اسم الفاخوري من البرقية رقم 303 (التي تسمح بتقييد مراقبة العملاء والمتهمين بالإرهاب). وقد تبيّن أن القرار الذي أصدرته الحكومة عام 2014 لإلغاء كافة الإجراءات التي لا ينص عليها القانون (كوثائق الاتصال وقرارات الإخضاع والبرقية 303)، استثنت لاحقاً المتعاملين مع العدو الصهيوني. وسبق أن اكد ذلك لوسائل الإعلام وزير الداخلية (حينذاك) نهاد المشنوق، فضلاً عن إرساله كتاباً إلى وزارة الدفاع - قيادة الجيش يوم 1 أيلول 2015، يوضح فيه أن قرار مجلس الوزراء الصادر يوم 24 تموز 2014 استثنى من إلغاء «وثائق الاتصال» تلك «المتعلقة بالتعامل مع العدو الإسرائيلي والإرهاب المثبت قضائياً».