في ردة فعل عاجلة وناجزة تجاه تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخاصة بنياته توسيع سيادة إسرائيل إلى أكثر من ثلث الضفة الغربية المحتلة، كان صوت خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز صادحاً بشجاعة معهودة، وصدق موصول، معتبراً أن الأمر يعد تصعيداً بالغ الخطورة بحق الشعب الفلسطيني، وانتهاكاً صارخاً لميثاق الأمم المتحدة والقوانين الدولية، ومشدداً على أن المحاولة الإسرائيلية لفرض سياسة الأمر الواقع «لن تطمس الحقوق الثابتة للشعب الفلسطيني».


وفي خطوة عملية مباشرة، دعت السعودية لاجتماع عاجل لدول منظمة التعاون الإسلامي غداً الأحد في المملكة، من أجل تدارس الوضع الطارئ، وتوحيد جهود الرد على الافتئات الجديد على صعيد القضية المحورية للشعوب العربية والإسلامية على حد سواء.


كعادتها دائماً، كانت المملكة سباقة في الدفاع عن حقوق الشعب الفلسطيني، وعبر دبلوماسيتها العالمية تضع الآن العالم أمام استحقاقات كارثية لهذه التطلعات الظالمة، والتي تفقد المنطقة الشرق أوسطية سلامها، ولا تترك العالم يعرف للأمن والأمان طعماً، ففلسطين ليست مجرد مساحة من الأراضي التقليدية كما في أي إقليم حول العالم؛ لكنها قلب مقدسات إيمانية للمسلمين والمسيحيين حول العالم، ومن هنا تأتي فرادتها الدوغمائية.
قبل تصريحات نتنياهو الأخيرة هذه، خلنا أن «صفقة القرن» التي كثر الحديث عنها سوف تأتينا من الغرب، من عند العم سام. وما تسرب في الفترة الأخيرة بات يقطع بأن الرئيس ترمب سوف يعلن عن معالم وملامح صفقته التي يتحدث بها الركبان حتى اليوم، بعد انتهاء الانتخابات الإسرائيلية في 17 الشهر الجاري.


غير أن المفاجأة هي أن «صفقة القرن» تبدت للعالم من قلب إسرائيل، أي من الشرق، والعهدة هنا على أفيغدور ليبرمان، وزير الدفاع الإسرائيلي السابق، الذي اعتبر أن إعلان نتنياهو الأخير ليس إلا صفقة بينه وبين اليمين الإسرائيلي المتطرف، المتمثل في اليهود الأرثوذكس وآخرين. صفقة يراد منها التوصل إلى اتفاق مغلق، هم سيعطونه السلطة، ونتنياهو سيعطيهم دولة بحسب الأحكام التلمودية.
هل هذه هي الصفقة الجديدة؟ وإذا كانت كذلك فعن أي سلام يتحدثون؟


ليس سراً أن الأصوات الإسرائيلية المغرقة في تطرفها باتت تهدد اليوم أسس الدولة الإسرائيلية، تلك التي قامت منذ نحو ثمانية عقود على فكر علماني ولو في الظاهر، أما الآن فإن ما يسعى إليه نتنياهو هو لعب بنار التطرف اليميني، وهو أمر كارثي تتجاوز خسائره الفادحة فوزه برئاسة الوزراء من جديد.


يدرك نتنياهو أن هناك أصواتاً داخل إسرائيل مثل جماعة «لهفاه» متشوقة لأن تتسيد بأصولية يهودية متطرفة، قريبة الشبه جداً من الأصوليات الشرقية التي عانى منها الجميع، تلك الفئات الضالة التي روعت الآمنين ولا تزال، وقد أكد رجالات «لهفاه»، قبل فترة، أنهم غير راضين عن الدولة المدنية ولا عن الديمقراطية، وجل سعيهم الوصول إلى دولة تطبق فيها التوراة كشريعة وحكم ودستور، إلى آخر المنظور المغرق في يمينيته.
يحاجج نتنياهو ومن جديد في لهجة مغشوشة، بأن العرب «يريدون تدمير إسرائيل»، وهي فرية انتهى مفعولها، لا سيما منذ أن بادرت مصر إلى عقد سلام مع إسرائيل، وتالياً كانت ولا تزال المبادرة العربية السعودية للسلام مع إسرائيل، شاهداً على أن العرب ينظرون بواقعية للعيش الإنساني الواحد، وأن نبرات الفوقية القومية لم يعد لها محل من وجود بينهم. وقد وضعت القمة العربية عام 2002 إسرائيل أمام خيار مصيري، إما السلام العادل وإما العداء المستدام.


يوماً تلو الآخر، تثبت إسرائيل للعالم برمته أن ليس لها دالة على السلام، وهذا ما باتت شعوب وأمم كثيرة تدركه، ولهذا تفقد يوماً تلو الآخر مربعات نفوذ وقوة تقليدية كانت لها في الغرب بوجه عام، وحتى في الداخل الأميركي بنوع خاص، فحركات المقاطعة تجاهها يشتد عودها رويداً رويداً، واستطلاعات الرأي، لا سيما التي أجراها معهد «بيو» الموثوق في واشنطن مؤخراً، تشير إلى أن الأجيال الأميركية الشابة لن تكون حليفاً أو نصيراً لإسرائيل، على النحو الذي كان من الأميركيين طوال القرن العشرين، وعقدي القرن الحالي، الأمر الذي يزعج الإسرائيليين في الصحو والمنام.


إعلان نتنياهو يذكرنا بصرخة رئيس وزراء إسرائيل ليفي أشكول، غداة حرب الأيام الستة، فقد كتب مدير مكتبه في مذكراته أنه كان يصرخ بأعلى صوته: «إلى متى يريدون البقاء على حد السيف؟!»، مشيراً إلى جنرالات إسرائيل الذين استولوا على أراضٍ عربية بالحرب، ما كان لهم في الأجل الطويل الحفاظ عليها بالسلم.


اللعب مع المتطرفين اليهود سيكون أمراً كارثياً، لا سيما وأن الدولة التلمودية التي يتحدث عنها ليبرمان، لا تزال تؤمن في قرارة عقلها أن حدودها هي من النهر إلى النهر، أي من نهر الفرات إلى وادي نقرورة، أي تخوم نهر النيل من مصر وصولاً إلى عمق القارة الأفريقية. وفهم هذا المنظور يفك لنا كثيراً من شفرات ما يجري في القارة السمراء اليوم.


السؤال الأخير قبل الانصراف: «لماذا لم نستمع إلى موقف إدارة الرئيس ترمب من تصريحات نتنياهو الأخيرة؟».


هل ضمن رئيس الوزراء الإسرائيلي اعترافاً أميركياً قادماً بضم غور الأردن ومساحات من الضفة الغربية، يتساوق مع الاعتراف الأميركي السابق بضم القدس الشرقية؟
مهما يكن من أمر... فلن تطمس الحقوق الثابتة للشعب الفلسطيني.