خلال أيام تذهب إسرائيل إلى الانتخابات للمرة الثانية في سنة. في الظاهر، يؤكد ذلك صحة الزعم أنها الدولة الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط. وفي العمق، يؤكد أنها - بعد عشرة أعوام من نتنياهو، بوصفه أطول حاكم في وجودها - تتجه أغلبيتها الساحقة نحو ديكتاتورية المضي في الاحتلال، وتكريس سياسة الضم، وإعلان الدولة اليهودية في الشرق الأوسط وفي العالم.
منذ اغتيال إسحاق رابين ومجيء نتنياهو، تغيرت كلياً صورة التعددية السياسية. وصل نتنياهو في مناخ مؤات جداً للنزعة الإلغائية. الحروب الأهلية تدمر العالم العربي، والصراع العربي الإسرائيلي يرى نفسه مرغماً على إعطاء الأولوية للصراع العربي الإيراني. روسيا، المؤيدة للعرب بلا حدود منذ الخمسينات، تنسق رسمياً مع إسرائيل في أجواء سوريا. «حماس» تنشق عن السلطة، وتعادي مصر، وترحب بإيران وقطر.
بينما كان الإسرائيليون يجددون لنتنياهو وسياساته الاستعمارية المعلنة، كانت أميركا وروسيا وتركيا لا تزال تبحث عن «منطقة آمنة» في سوريا. وكانت إسرائيل تقصف مواقع «الحشد الشعبي» في العراق، كما قصفت المفاعل النووي من قبل. وترسل طائرة متفجرة إلى قلب بيروت. وكان لبنان يهتز تحت أسوأ أزمة اقتصادية منذ الحرب العالمية الأولى.
بدت القضية الفلسطينية بعيدة خارج القلب، التي سكنته زمانا: السودان والجزائر في الشوارع، وليبيا في الجبهات. واليمن يشاهد جثة علي عبد الله صالح معروضة أمام المصورين وفوقها بيان لئيم من قاتله. عندما نقلت أميركا سفارتها إلى القدس، حتى الصوت كان قد بحّ. ووجدت الأمة العربية نفسها وقد أعلنت عليها الحرب في باب المندب. وبدا الأردن، موطن القضية الطبيعي، ضعيفاً أمام أحمال عربية فوق طاقته بكثير. ولم يكن ينقصه إلا أن يعلن نتنياهو أنه ينوي ضم الغور.
في هذه الأوضاع التي لا سابق لها، تذهب «الدولة الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط» لتكرس خيارها في أحد أسوأ الأنظمة ديكتاتورية وعنصرية واحتلالاً. هذه المرة ليس بالدبابات، بل بالضم.
الأسبوع الماضي صرّح نتنياهو فرحاً بأن المزيد من الدول العربية ينفتحُ على إسرائيل، فكيف يكون رد فعله على ذلك؟ يكون مثلما سبق: المزيد من الغطرسة والإذلال للشعب الفلسطيني، والمزيد من الإهانة للعرب والمسلمين، والمزيد من الاحتقار السافر لدعاة السلم في كل مكان في العالم.
الانتخابات في إسرائيل مثل أي انتخابات في العالم الثالث. استعانة بالديمقراطية من أجل فرض أكثر الأهداف الديكتاتورية سوءاً.