تصدرت الاهتمامات التعيينات الجديدة التي شهدها مجلس الوزراء أمس، وحجبت معها بقية القضايا، ومنها نتائج محادثات الموفد الاميركي ديفيد شينكر في شأن ترسيم الحدود البحرية والبرية بين لبنان إسرائيل، وسواها من ملفات أخرى.
ولم يحل قرار رئيس الحكومة سعد الحريري بتفعيل التعيينات في جلسة أمس من دون حصول اعتراضات على التعيينات القضائية التي حصلت، ولاسيما منها اعتراض وزراء حزب «القوات اللبنانية» على تعيين قضاة في ديوان المحاسبة من خارج الملاك، فكان رَد الحريري أنه «لا يوجد في ملاك الديوان قاض من الطائفة السُنيّة، «شو بعمل؟». في حين أوضح رئيس «التيار الوطني الحر» الوزير جبران باسيل أنّ القاضي مروان عبود (الذي اعترضت عليه «القوات») كان في ملاك الديوان، وخرج منه ثم عاد إليه وفقاً لِما تقتضيه القوانين.
وكان نائب رئيس الحكومة غسان حاصباني اقترح في بداية الجلسة أن تعرض كل أسماء التعيينات ليُصار إلى اختيار الأفضل منها، فاعترض باسيل بشدة، معتبراً أنه «يحقّ للوزير فقط اقتراح إسم المرشح للمنصب أو اقتراح آلية التعيين، وعلى مجلس الوزراء الموافقة أو الرفض».
تجاوز الآلية
وكشفت مصادر مطلعة لـ«الجمهورية» انّ التعيينات القضائية تَوسّعت لتشمل عدداً من رؤساء غرف في ديوان المحاسبة، بعد إصرار البعض على أن تشمل أربعة مواقع سنية وشيعية في ديوان المحاسبة، لتكون التعيينات شاملة من البداية.
وقالت مصادر قانونية وإدارية مطلعة لـ«الجمهورية» انّ المراكز الإضافية التي عَيّنها مجلس الوزراء تجاوزت الأصول المعمول بها عادة، فهذه التعيينات تجري في مجلس الوزراء ولكن بناء لطلب رئيس الديوان واقتراحه، وهو أمر لم يحصل قبل تعيينات الأمس.
ولوحظ انّ التعيينات توسّعت بتعيين القاضية ريتا غنطوس رئيسة للهيئة العليا للتأديب، لملء المركز الذي شَغر بتعيين القاضي سهيل عبود رئيساً لمجلس القضاء الأعلى.
كما سُجِّل ارتياح لحسن اختيار القاضي غسان عويدات في منصب النائب العام التمييزي، لما يتمتع به من خبرة وكفاية وحزم في معالجة المسائل الحسّاسة.
«القوات»
وقالت مصادر «القوات» لـ«الجمهورية» انه بعد أن انشَدّت الأنظار إلى مجلس الوزراء، وتحديداً الى بند التعيينات الإدارية والقضائية، خرجت الحكومة بسلسلة من القرارات بإجماع الأفرقاء، ومن ضمنهم «القوات اللبنانية» التي سجّلت اعتراضين، الاول يتعلّق بتعيينات ديوان المحاسبة، والآخر بمجلس شورى الدولة».
وأوضحت المصادر أنّ «اعتراض «القوات» على تعيينات «شورى الدولة» جاء بعد طرح إسم القاضي فادي الياس، وهو من القضاء العدلي وليس الإداري. وبالتالي، يفتقد للكفاية والخبرة المطلوبة لتوَلّي هذا المنصب. وفي حين دافع الوزير جبران باسيل عن خيار الياس معتبراً أنّه الأكثر كفاءة، اعتبرت «القوات» أنّ المرشّح الأنسب كان القاضي يوسف نصر لأنّه أكثر خبرة، أكان في سنين الخدمة أو في مجاله الاختصاصي داخل القضاء الإداري، كما أنّ جميع القضاة يشهدون على كفايته العُليا».
تقرير فصلي
وقالت مصادر وزارية لـ«الجمهورية» انّ رئيس الجمهورية طلبَ، خلال الجلسة، من وزير المال علي حسن خليل تقديم تقرير فصلي يعرض الوضع المالي للدولة من كل النواحي، وخصوصاً لجهة الواردات والمدفوعات والمستحقات.
وفي المعلومات أيضاً انّ عون طلب من الوزراء «التجاوب مع السلطات القضائية واجهزة الرقابة، لجهة رفع الحصانة عن الموظفين المطلوبين للتحقيق في مختلف المؤسسات والوزارات والمجالس البلدية عند طلبها لتسهيل ملاحقتهم في الجرائم المرتكبة وتجاوزاتهم، لأنّ إبقاء الحصانة عليهم يعرقل التحقيق الجاري معهم من جهة، ويفسح في المجال أمام استمرار الإرتكابات وتعطيل حملة مكافحة الفساد.
المستحقات
والى ذلك خاطب رئيس الجمهورية الوزراء قائلاً: «بما أني «بي الكل» أسأل نيابة عن المقاولين والمستشفيات والصندوق الوطني للضمان الاجتماعي لماذا لا تدفع مستحقاتهم؟». فرد وزير المال علي حسن خليل «أن كل المستحقات ستدفع على دفعات وكل الملفات ستعالج لكن الامور تأخذ وقتاً بحسب السيولة المتوافرة، خصوصا أن هناك مشكلة سيولة في البلد».
عندها رد وزير الاقتصاد منصور بطيش قائلاً: «مصرف لبنان المركزي هو من يمتص السيولة في البلد عبر شهادات الإيداع وهذا أمر يجب أن يناقش معه». كذلك طلب عون الإسراع في دفع الحقوق المترتبة على الدولة بالنسبة للمقاولين أو المستشفيات الخاصة والحكومية والمؤسسات الضامنة وموردي الأغذية وذلك بعد إنجاز التدقيق في الفواتير المقدمة والمتراكمة منذ فترات طويلة».
وفي سياق آخر، طلب رئيس الجمهورية تنفيذ القرارات الصادرة من مجلس شورى الدولة خصوصا في النزاعات البلدية، لافتا إلى أن أحكام القضاء إما أن تنفذ أو تستأنف وأنه لا يجوز للسلطة التنفيذية أن تعطل تنفيذها.
خطة المهجرين
الى ذلك، أشارت مصادر وزارية الى أنّ خطة وزارة المهجرين التي قدمها وزيرهم غسان عطالله أخذت حيّزاً كبيراً من النقاش، ففي الوقت الذي امتدح وزراء «التيار الوطني الحر» الخطة، إعترض عليها كل من الوزراء ريشار قيوميجيان ويوسف فنيانوس وعادل أفيوني الذي اعتبر «أنّ الخطة مهمة من الناحية الاجتماعية الوطنية وهي ضرورية، لكن لا يجب إقرار خطة من دون وجود آلية لتمويلها ضمن التزام الحكومة خفض العجز في موازنة 2020، خصوصاً أنّ الخطة تتطلب حجز 600 مليار ليرة على مدى 3 سنوات».
وإذ سأل فنيانوس عن تمويل الخطة، قال قيومجيان: «هلّق وقتها؟». واستوضح الوزير اكرم شهيّب إذا كانت الخطة تشمل مهجّري الجبل أم كل لبنان؟ لكن الخطة لم تكن واضحة لهذه الجهة، عندها طلب الحريري إحالتها الى لجان مختصة لمزيد من الدرس.
كلفة السندات
وفي نهاية الجلسة، لفت أفيوني إلى كلفة السندات اللبنانية في الاسواق العالمية والتي لا تزال منخفضة، وهذا يعني أنّ الفوائد على الدين اللبناني مرتفعة جداً، وهذا يعني عملياً أنّ تمويل عجز الدولة وإعادة تمويل عجز الدولة عبر الاسواق كلفته باهظة، وفي هذا الوقت نحن نَتّكِل على احتياط مصرف لبنان المركزي، وهذا أمر غير صحي ولا يمكن الاستمرار فيه». ودعا إلى «إحداث صدمة إيجابية، ومتابعة قرارات طاولة بعبدا الاقتصادية، واتخاذ إجراءات سريعة تعيد الثقة إلى الاسواق المالية».
بعدها، أعلن رئيس الجمهورية رفع الجلسة بكل بساطة، ومن دون ان يعلّق هو او رئيس الحكومة وأي من الوزراء على خطورة الوضع الاقتصادي.
تغذية الجيش
من جهة ثانية، وعلى صعيد ما أثير من ضجة حول توقف إرسال الغذاء للجيش، علمت «الجمهورية» انّ تعاطي قائد الجيش العماد جوزف عون مع هذا الملف «کان صارماً وحازماً مع المعنيين».
وفي هذا المجال أكد وزير المال علي حسن الخليل لـ»الجمهورية» انه «لن يقع تحت ضغط المتعهدين والتجار والمتواطئين مع بعض الضباط»، كاشفاً أنّ «هناك 80 الف فاتورة عليها مشاكل ينقصها مستندات، وهي لا تزال عالقة ولن يصرفها طالما لا تراعي الاصول القانونية للصرف». وقال: «لا مشكلة صرف للجيش، ولا مشكلة سيولة، انما المشكلة في الفواتير العالقة، هذه هي القصة كاملة. أمّا الصرف العادي فيسير بشكل طبيعي، ونفى أن «يكون الجيش قد عانى أزمة غذاء».
وأكّد خليل أنه اتصل بقائد الجيش وسأله عن هذا الملف، فأكد له عون «انّ ما يُحكى عن انّ الجيش يعاني أزمة غذاء هو غير صحيح، ولا نقص في الغذاء لدى الجيش». وأضاف خليل: «تم صرف 15 مليار ليرة من ضمن الفواتير بحسب الاصول القانونية، والفواتير صرفت بعد أقل من 10 ايام من تحويلها الى وزارة المال من قبل قيادة الجيش». وختم: «فلندقّق في من يقوم بتجارة من متعهدي الغذاء».
إرباك مالي مُقلق
مالياً، ومن خلال رصد اللقاءت الثلاثية بين رئيس الحكومة ووزير المال وحاكم مصرف لبنان، وكذلك من خلال متابعة المواقف والتصريحات المتعلقة بمسألة إصدارات «يوروبوند» جديدة، يتبيّن بوضوح عمق الارباك السائد في الإدارت المالية حيال هذا الموضوع.
وبعد تصريحات بَدت متناقضة، بعضها أكد ان لا إصدارات خلال 2019، وانّ مصرف لبنان تَكفّل بسداد المستحقات المتبقية والتي تبلغ 1,5 مليار دولار، وتصريحات مختلفة في مضمونها، آخرها أمس للوزير علي حسن خليل أعلن فيها لوكالة «رويترز» انّ «لبنان ما زال يدرس إمكانية بيع سندات جديدة بالدولار، وانه لم يعلن عن أيّ إصدار بعد»، تبدو الأمور ضبابية ومُربكة للجميع.
وخصّص الاجتماع أمس بين وزير المال علي حسن خليل وحاكم مصرف لبنان رياض سلامة «للنقاش في الأوضاع المالية والنقدية، والتنسيق بين الوزارة والمصرف المركزي حول كل الاستحقاقات، ولاسيما منها الاصدارات بالعملتين المحلية والاجنبية»، ليؤكد انّ الأمور غير محسومة حتى الآن.
وقد عَبّر كلّ من خليل وسلامة، وفق بيان لوزارة المال «عن الاطمئنان الى سَير الأمور واستقرارها على رغم من كل الضغوط، خصوصاً بعد إحالة مشروع موازنة 2020 الى مجلس الوزراء للمباشرة في نقاشه».
وهذا الإرباك المالي يفسّره القلق حيال أسعار الفوائد التي سيتم دفعها لأي إصدار جديد، خصوصاً بعدما تبرّعت وكالة «بلومبرغ» أمس بتنفيذ محاكاة افتراضية، خَلصت بنتيجتها الى انّ لبنان سيدفع أعلى سعر فوائد دفعته دولة في العصر الحديث، ويتجاوز الـ14 في المئة.