يستعد أطراف الحكم للإقدام على خطوات عملية، تكرّس الواقع السياسي التفاهمي، وتفتح الباب امام تعيينات إدارية في نواب حاكم مصرف لبنان والمراكز الشاغرة في وزارة العدل، من زاوية اعتماد آلية ادراج التعيينات على جدول أعمال مجلس الوزراء، وهذا ما حصل فعلاً إذ تضمن بند 7 من الجدول: تعيينات قضائية (رئيس أوّل لمحكمة التمييز، نائب عام لدى محكمة التمييز، رئيس مجلس شورى الدولة، رؤساء غرف في ديوان المحاسبة، مدير عام وزارة العدل ورئيس هيئة التشريع والاستشارات في وزارة العدل).
وفي سياق الاهتمام الأميركي بلبنان، وصل عصر أمس إلى بيروت مساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأدنى ديفيد شينكر واستقبله في بيت الوسط الرئيس سعد الحريري ترافقه السفيرة الأميركية اليزابيت ريتشارد في حضور الوزير السابق غطاس خوري وتناول اللقاء آخر المستجدات في لبنان والمنطقة والعلاقات الثنائية بين البلدين.
وكشف مصدر مطلع لـ «اللواء» ان الموفد الاميركي، بدأ محادثاته حول ترسيم الحدود مع الرئيس الحريري من النقطة التي وصل إليها السفير ديفيد ساترفيلد، الذي نقل إليه الملف، بعد تسلمه منصباً جديداً كسفير لبلاده في تركيا.
وقال المصدر ان السفير شينكر يحمل معه بعض الملاحظات، تتعلق بجملة من الملفات، بعضها طرح خلال زيارة رئيس الحكومة إلى واشنطن.
وأعلنت السفارة الأميركية في بيروت أنه في التاسع من شهر ايلول الحالي، اجتمع شينكر بالرئيس سعد الحريري، لافتة إلى أنه خلال الاجتماع، جدّد شينكر التأكيد على أهمية الحفاظ على أمن واستقرار وسيادة لبنان.
وأشارت إلى أن شينكر يقوم بجولة في المنطقة، تتضمّن لبنان والعراق وتونس والسعودية والأردن بهدف التأكيد على أهمية العلاقات الثنائية وتأكيد التزام الولايات المتحدة العميق بمواصلة العمل مع شركائها والحلفاء على الاستقرار في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، موضحة أنه خلال زيارته الى لبنان، سوف ينضم الى شينكر نائب مساعد وزير الخارجية لشؤون الشرق الادنى جويل رايبورن.
وأوضحت أن زيارة شينكر إلى لبنان والتي تستمرّ لمدة يومين، تشمل لقاءات مع كبار المسؤولين والقادة اللبنانيين، إضافة إلى مقابلات مع وسائل إعلام لبنانية. كما سيجتمع شينكر ترافقه السفيرة الأميركية إليزابيث ريتشارد بمسؤولين في الجيش اللبناني.
وسيكون لشينكر لقاء صباح اليوم مع رئيس الجمهورية ميشال عون، على ان يلتقي الأربعاء رئيس المجلس النيابي نبيه برّي، وفي السادسة والنصف مساء وزير الخارجية جبران باسيل.
وستكون للموفد الاميركي لقاءات أيضاً مع عدد من الشخصيات السياسية بهدف التعارف، منها: الرئيس نجيب ميقاتي، ورئيس حزب «القوات اللبنانية» سميرجعجع، ورئيس حزب «الكتائب» سامي الجميل وربما شخصيات اخرى مثل رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط.
وقالت مصادر رسمية، حول الموقف الرسمي من زيارة شينكر، ان لبنان لازال على موقفه المعروف والذي تم إبلاغه الى سلف شينكر السفير دايفيد ساترفيلد، الا المسؤولين سيستمعون الى ما يحمله من معطيات وافكار وربما مقترحات قد تكون جديدة، مقبولة أو غير مقبولة على صعيد عملية ترسم الحدود.
معروف ان زيارة شينكر للبنان هي الأولى له ضمن مهمته الجديدة، وهو كان اجتمع مع الرئيس الحريري خلال زيارته الأخيرة إلى واشنطن منتصف الشهر الماضي.
هدنة المصالحات السياسية
وعلى صعيد آخر، أكدت مصادر سياسية رفيعة المستوى في مجلس خاص، ان زمن الخلافات المناكفات السياسية انتهى راهناً، حيث ان الأنظار شاخصة إلى الملفات الحدث، أي الاقتصادية والمالية، ما يعني اننا في مرحلة هدنة سياسية تشمل كافة الأطراف في البلد، في حين عزت مصادر متابعة تقلب الأجواء نحو المصالحات، إلى اتفاق سياسي حصل بين أركان الدولة على أعلى المستويات لضرورة التركيز على الأوضاع المالية والاقتصادية، خصوصاً بعد التقارير البالغة السوء لوكالات التصنيف الائتماني، الأمر الذي بات يحتم الابتعاد قدر المستطاع عن الخلافات السياسية الضيقة، والانصراف نحو معالجة الملفات الاقتصادية وابراز صور مختلفة عن لبنان غير تلك الصور عن لبنان الدولة الفاشلة أو المهددة بالافلاس.
وأعربت عن املها بأن يتخطى لبنان هذه الأزمة بأقل كلفة ممكنة، على الرغم من دقة الأوضاع، من خلال تعاون جميع القوى السياسية على معالجة الوضع.
وكان من المقرّر ان يعقد أمس في السراي، اجتماع مالي- اقتصادي- سياسي بين الرئيس الحريري ووزير المال علي حسن خليل مع ممثلي الكتل السياسية في المجلس النيابي، يكون بمثابة قراءة أولى لمشروع موازنة 2020، لكن الاجتماع لم يعقد، من دون صدور تفسير لذلك، إلا ان الوزير خليل، بحث مع الرئيس الحريري مشروع الموازنة على الرغم من انه لم يحل بعد إلى الأمانة العامة لمجلس الوزراء، وأكّد خليل بعد الاجتماع انه «ليس هناك من خلافات حول المشروع، وان مجلس الوزراء سيجري قراءة اولية للمشروع الاسبوع المقبل».
وذكرت مصادر وزارية ان مجلس الوزراء سيبدأ من الاسبوع المقبل جلسات متتالية لمناقشة الموازنة الجديدة، ويقطعها يومين لحين عودة الرئيس الحريري من زيارة باريس المقررة في العشرين من الشهر الحالي، ثم يستأنفها بعد عودته، ولو بغياب الرئيس ميشال عون الذي سيكون في نيويورك اعتبارا من 22 الشهر للمشاركة في اجتماعات الجمعية العامة للامم المتحدة.
مجلس الوزراء: 29 بنداً
في غضون ذلك، ينعقد مجلس الوزراء الخميس المقبل في القصر الجمهوري في بعبدا، وعلى جدول أعماله 29 بنداً، من ضمنها موضوع التعيينات القضائية، إلى جانب خطة عمل وزارة المهجرين، وموضوع البت بجواز سحب الترشيح للانتخابات النيابية الفرعية خارج المهلة المنصوص عنها في القانون في ضوء الجدل القانوني حول مدى قانونية انسحاب المرشحة بشرى الخليل لمصلحة مرشّح «حزب الله» الشيخ حسن عزالدين، بعد انتهاء المهلة المحددة في القانون.
ولحظ الجدول الذي وزّع مساء أمس على الوزراء ضمن البند رقم 7 ان تشمل التعيينات القضائية المراكز التالية: رئيس أوّل لمحكمة التمييز، نائب عام لدى محكمة التمييز، رئيس مجلس شورى الدولة، رؤساء غرف في ديوان المحاسبة، مدير عام وزارة العدل ورئيس هيئة التشريع والاستشارات في وزارة العدل..
وستجري هذه التعيينات وفق الآلية التي سبق للرئيس الحريري ان أعلن عنها، بحيث سيتم عرض بفترة لثلاثة مرشحين لكل مركز، على ان يتم اختيار أحدهم، لكن مصادر وزارية أكدت ان التعيينات في المراكز القضائية ستتم بالتوافق، ولن يصل الوزراء إلى مرحلة التصويت، لأن الأسماء منزهة وفوق الشبهات. وسبق ان نشرتها «اللواء» كالآتي:
- القاضي سهيل عبود- رئيس مجلس القضاء الأعلى.
- القاضي غسّان عويدات - مدعي عام التمييز.
- القاضي فادي الياس- رئيس مجلس شورى الدولة.
- القاضية جمال الخوري- رئيس هيئة التشريع والقضايا.
القاضية رولا جدايل- مديرة عامة لوزارة العدل.
ونفت مصادر رسمية مأذونة ما يُشاع عن خلافات داخل «البيت الواحد» حول هذه التعيينات في إشارة إلى ما تسرب عن وجهات نظر مختلفة بين وزير العدل البرت سرحان ورئيس «التيار الوطني الحر» الوزير جبران باسيل حول التعيينات، وقالت: ان هناك آلية ستعتمد وسيتم اختيار الاكفأ والأفضل.
وتوقعت المصادر ان تشهد الجلسات المقبلة لمجلس الوزراء تعيينات ادارية مهمة، معتبرة ان قطار التعيينات انطلق بقوة، وتوقفت عند ما قاله الرئيس عون أمس حول اختيار النخبة في التعيينات المقبلة، في إطار العمل على إعادة تركيب الدولة حجراً حجراً، حسب ما أعلن خلال استقباله رئيس المجلس العام الماروني الوزير السابق وديع الخازن.
وفي هذا اللقاء، دعا الرئيس عون اللبنانيين، إلى عدم الخوف على المستقبل، لأن لبنان لن يسقط على الإطلاق، منوهاً بما تحقق من مصالحات بين جميع الأفرقاء، لافتاً إلى انه سعى إلى هذه المصالحات لأنه في ظل الخلافات التي كانت سائدة كان يصعب الانطلاق بمعالجات الأزمات والتحديات الماثلة اقتصادياً ومالياً واجتماعياً.
وفي سياق المصالحات، لفت الانتباه ان رئيس الحزب الاشتراكي وليد جنبلاط، علق على لقاء المصالحة مع «حزب الله» في عين التينة، من دون أي إشارة إلى لقاء اللقلوق بين الوزير جبران باسيل ورئيس كتلة «اللقاء الديمقراطي» النائب تيمور جنبلاط، مشيرا إلى ان «بفضل الرئيس برّي اعيد الحوار مع الحزب بعد فترة انقطاع على أساس ان التواصل أفضل للتعبير عن وجهات النظر المختلفة والتأكيد بكل هدوء على حق كل فريق بالتعبير الهاديء».
وقال: انه «سيركز بكل هدوء على أهمية الإصلاح وخاصة القطاع الكهربائي كما أوصى (الموفد الفرنسي بيار) دوكان كمدخل للحد من العجز».
تجدر الإشارة في هذا السياق، إلى ان وزيرة الطاقة ندى البستاني الموجودة حالياً في ابوظبي، ستعلن في الأيام القليلة المقبلة، وقبل نهاية الشهر الحالي انطلاق المناقصات لبناء معامل إنتاج الكهرباء، وفقا للخطة الموضوعة للقطاع.
اما بالنسبة للمصالحة مع «التيار الوطني الحر» فقد سجلت جلسة استجواب ثانية عقدها قاضي التحقيق العسكري مارسيل باسيل، في حادثة قبر شمون التي أسفرت عن مقتل اثنين من مرافقي الوزير صالح الغريب، فاستجوب أربعة أشخاص مدعى عليهم، اثنان من مناصري الحزب الاشتراكي وآخران من مناصري الحزب الديمقراطي اللبناني، من بينهم شقيق الوزير الغريب، وذلك بحضور وكلاء الدفاع عنهم.
وفي نهاية الجلسة، أصدر القاضي باسيل مذكرة توقيف وجاهية بحق أحد مناصري الحزب الاشتراكي، وترك الثلاثة الآخرين بكفالات مالية، وحدد يوم الأربعاء المقبل موعدا لاستجواب مدعى عليه آخر، لم يحضر جلسة امس لوجوده خارج لبنان. وبذلك، يرتفع عدد الموقوفين في هذه القضية الى خمسة، جميعهم من الحزب الاشتراكي.
أكاديمية الحوار
وفي مجال اخر علمت اللواء ان الأصداء التي تلقاها لبنان بشأن طلبه حول جعله مركزا لأكاديمية الأنسان للتلاقي والحوار وفق طرح رئيس الجمهورية والذي يتم التصويت عليه في الجمعية العامة للأمم المتحدة في الثالث عشر من الشهر الحالي مشجعة ومتجاوبة كما ان معظم الرسائل التي تلقاها لبنان والمعلومات تؤشر على تأييد دولي لموقف لبنان.
عملية رامية
وفي تطوّر، اخترق الانشغال اللبناني الرسمي والسياسي بالأزمة المالية والاقتصادية، نفذ «حزب الله» ما توعد به للرد على «غارة» الطائرتين المسيّرتين على الضاحية الجنوبية، الشهر الماضي، فاعلن فجراً إسقاط طائرة مسيّرة إسرائيلية أثناء عبورها للحدود الفلسطينية المحتلة باتجاه بلدة رامية الجنوبية، مشيراً إلى ان الطائرة أصبحت في يد المقاومين، الا انه لم يعط أي معلومات عن كيفية إسقاط «المسيّرة» الإسرائيلية، على الرغم من معلومات أفادت ان الحزب لم يفجر الطائرة فوق بلدة رامية بل سيطر عليها إلكترونياً، وباتت في حوزته، في حين اعترفت إسرائيل بسقوط «المسيّرة»، إلا انها قالت بأنها «سقطت خلال عمل روتيني ولا خشية من تسريب معلومات منها».
وعلى الرغم من ان إسقاط «المسيّرة» الإسرائيلية كان مرتقباً، فقد لوحظ ان ردة الفعل الإسرائيلية كانت هادئة ما يؤشر إلى ان الأوضاع في الجنوب وعلى الحدود بين حزب الله وإسرائيل ستبقى مضبوطة من خلال الضغوط الدولية التي تمارسها الدول الكبرى، على اعتبار ان لا مصلحة لأحد باندلاع حرب بين إسرائيل و«حزب الله»، وبالتالي بين إسرائيل وإيران في الفترة الراهنة التي تشهد تطورات متلاحقة، وهو ما يفسّر سرعة دخول إيران على خط «عملية رامية»، حيث حذر مستشار رئيس البرلمان الإيراني حسين عبد اللهيان من ان تل أبيب ستحترق إذا قررت اللعب بالنار، معتبراً ان إسقاط حزب الله الطائرة الاسرائيلية المسيّرة ردّ مناسب سيجعل إسرائيل تندم على اعتداءاتها.
ويتوقع ان تتصدر عملية رامية، وقبلها عملية الحزب في مستعمرة «افيميم» كلمة الأمين العام للحزب السيّد حسن نصر الله في ذكرى عاشوراء، في حين كان سبق العملية مواقف لقيايين في الحزب شددت على ان المقاومة لن تسمح لإسرائيل لأن تعود إلى الأجواء اللبنانية بجمع المعلومات أو التصوير والتجسس وهي آمنة مطمئنة كما كانت تفعل في السابق. إلا ان الحزب أوضح على لسان وزير الدولة لشؤون مجلس النواب محمود قماطي، بأن هذا لا يعني بأننا سنسقط كل طائرة، لكنه يعني اننا سنسقط ونمنع هذه الطائرات من ان تجول وتتحرك بحرية وأمان».
وفي تقدير مصادر سياسية، ان المرحلة المقبلة من الصراع في الجنوب ستكون نحو إعادة تثبيت القرار 1701 وتثبيت معادلة الردع التي أرساها الحزب في عدوان تموز 2006، مع التأكيد على أن المعركة مع إسرائيل مستمرة طالما ان هذا الكيان يُشكّل تهديداً ويحتل ارضنا، بحسب ما أكّد نائب الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم في الليلة التاسعة من محرم.
ومن هنا، فإن المصادر السياسية لا تبدي أي تخوف امنياً أو سياسياً على الوضع اللبناني في الوقت الحالي، حيث الانكباب راهناً على معالجة الأوضاع الاقتصادية والمالية، من خلال اجتماعات مكثفة تعقد على أعلى المستويات، منها المعلن ومنها الكثير غير المعلن، واستنفار الفرق الاقتصادية للمسؤولين من أجل إخراج لبنان من دائرة التصنيف المالي السلبي واعادته إلى الدائرة الطبيعية، ضمن المهلة التي حددتها وكالات التصنيف المالية ستة أشهر.