طلب الرئيس سعد الحريري موعداً لزيارة موسكو قريباً، من دون أن يولي اهتماماً لاتفاقية التعاون العسكري التي يخبّئها في جارور مجلس الوزراء، منذ عامين، على الرغم من وعوده للمسؤولين الروس. فهل يتهرّب مرة جديدة؟
أنهت اللجنة الحكومية الروسية - اللبنانية المشتركة اجتماعاتها في بيروت قبل يومين، ومن أبرز بنود جدول أعمالها، التعاون العسكري بين البلدين. على مدى ثلاثة أيام، ناقش ممثّلو هيئات روسية عديدة، بينها هيئة التسليح والصناعات العسكرية والتعاون مع الدول الأخرى، مع ضباط القوى المسلّحة اللبنانية ممثّلين عن مختلف الأسلحة، رفع مستوى التعاون العسكري بين لبنان وروسيا.
ولعلّ أهمّ ما سمعه الضّباط اللبنانيون، عن لسان ممثّلي الجيش الروسي، هو استعداد موسكو لمدّ لبنان بالأسلحة التي يحتاج إليها للدفاع عن ترابه وبحره وجوّه، من أي جهة أتى التهديد، ومن دون شروط سياسية. وهو الأمر الذي يسمع اللبنانيون نقيضه من القوى الغربية، التي تقدّم للجيش اللبناني أسلحة تصلح للقتال الداخلي، ولمكافحة عصابات إرهابية، ولو مجاناً، بينما لا يخجلون من التأكيد أن أسلحتهم غير مخصصة للدفاع عن لبنان من الاعتداءات الإسرائيلية، ويرفضون تسليم لبنان أسلحة دفاع جوي أو بحري. في الوقت الذي يؤكّد فيه الجانب الروسي، دائماً، وآخرها خلال الاجتماعات الأخيرة، استعداده لتسليم لبنان أسلحة مضادة للطائرات في عزّ الحاجة إلى حماية سماء لبنان من الانتهاكات الإسرائيلية، أو على الأقل تقييد حركة الطائرات المسيرة، خصوصاً بعد إعلان المقاومة الحرب على طائرات التجسس المعادية.
إلّا أن كل الأجواء الإيجابية والرغبة في التعاون التي أبداها ويبديها الجيش اللبناني تجاه التعاون العسكري مع روسيا، تظلّ «حسن نوايا» لا أكثر، ما دام الرئيس سعد الحريري يقف عائقاً أمام رفع مستوى هذا التعاون، عملاً بالرغبة الأميركية والغربية.
فالحريري، للمرّة العاشرة ربّما، يؤجّل بحيلٍ مختلفة، إدراج قرار منح وزير الدفاع إذن التوقيع على اتفاقية التعاون العسكري بين لبنان وروسيا، على جدول أعمال مجلس الوزراء، محمّلاً الأزمات السياسية أو الاستحقاقات مسؤولية هذا التأخير. لكنّه في الوقت ذاته لا ينفكّ يعد المسؤولين الروس، بدءاً من السفير الروسي في بيروت ألكسندر زاسبيكين، إلى المسؤولين في موسكو، عبر مستشاره الشخصي جورج شعبان، بتوقيع الاتفاقية في أسرع وقت!
في المرّة الماضية، «خَرَّب» شعبان والحريري زيارة وزير الدفاع الياس بو صعب لموسكو، الذي كان من المفترض أن يشارك في احتفالية «منتدى الجيش الروسي 2019». فمستشار رئيس الحكومة تنقّل في وزارة الدفاع الروسية متحدّثاً باسم الجيش اللبناني ووزارة الدفاع، حتى إنّه أبلغ مسؤولين روسيين أن الجيش يطلب تعديل بنود الاتفاقية. وفي الوقت نفسه، كان الحريري في بيروت يرفض وضع البند على جدول أعمال الحكومة، طالباً التأجيل، بعد أن كان الجيش ووزارة الدفاع قد أنهيا، منذ أشهر، إرسال الاتفاقية كاملة إلى مجلس الوزراء!
وخير دليل على نية الحريري تجاه التعاون العسكري مع روسيا، هو الاستجابة للضغوط الأميركية برفض الجيش اللبناني هبة الذخائر الروسية قبل نحو عام. ووقتها ابتدع الحريري مخرج تسلّم وزارة الداخلية لهذه الذخائر بدل الجيش، إرضاءً للمسؤولين الروس، الذين عبّروا عن امتعاض كبير من الخطوة المعنويّة. ورغم ذلك، فإن وزارة الداخلية، وهي من حصّة الحريري، لم ترسل حتى الآن رسالةً واحدة تطلب فيها من الجانب الروسي الحصول على الهبة!
قبل أيام، زار مستشار رئيس الحكومة موسكو وطلب موعداً لرئيس تيار المستقبل مع الرئيس فلاديمير بوتين. مطّلعون على العلاقة بين الطرفين، يؤكّدون أن «الحريري يهرع دائماً بعد كل اهتزاز إلى لقاء مع الرئيس بوتين لترميم صورته، أو عندما يحتاج إلى المساعدة يسارع إلى الطلب من روسيا»، لكنّه في الوقت نفسه «يهمل عن عمد أحد أهم أشكال التعاون بين البلدين، فيما يوقّع اتفاقات مع دول في أوروبا الشرقية تخاصم روسيا وتعمل ضد مصالحها في حلف الناتو».
وفيما يجري الحديث عن احتمال حصول الزيارة بداية الشهر المقبل، لم يُظهر الحريري بعد أي نيّة لوضع تفويض وزير الدفاع توقيع الاتفاقية على جدول أعمال مجلس الوزراء، رغم أن بو صعب طلب مراراً بت الأمر. فما هي ذريعة الحريري هذه المرّة أمام بوتين؟