دخلت الحرب في اليمن طوراً مختلفاً، قد يكون مبكراً القول أنها بداية النهاية لخطف الدولة اليمنية من جانب نظام الولي الفقيه، لكن كل المعطيات من ساحات المواجهات المختلفة تشير إلى أن ميليشيات الحوثي باتت في مواقع دفاعية على كل الجبهات، ووحدها المعركة الشاملة من الشرق والشمال والشمال الغربي والجنوب، المدعومة من التحالف العربي، هي ما سيضع حداً للإجرام الحوثي بحق اليمنيين وجيران اليمن، وهو إجرام مماثل لما أُنزل بالشعب السوري من ويلات وقتل واقتلاع وتهجير.
طويلاً هو الزمن الذي احتمت فيه ميليشيات الحوثي، باتفاقية استكهولم، وقبلها مباحثات الكويت، وأداء الموفدين الدوليين، وتلك المواقف في الأمم المتحدة التي كالت بمكيالين، متذرعة الدفاع عن آمنين طالتهم الحرب بشظاياها، وغضت النظر عن ميليشيات تابعة لدولة خارجية تمكنت في غمضة عين من اختطاف البلد، وتمعن منذ سنوات تنكيلاً بأهله مسلطة القتل على رقاب كلِّ أخصامها، وتوجت إجرامها بخطف الأطفال من عائلاتهم إلى مخيمات عسكرية، لتدفع بهم لاحقاً إلى جبهات القتال وهم بعد في عمر الزهور.
رغم الغيمة السوداء التي مرّت على اليمن تبذل الجهود الكبيرة، السعودية والاماراتية، لتجاوز آثارها واستعادة الوحدة بوجه التحدي الفارسي، ليس بالأمر البسيط أن يتواجد وزير الدفاع اليمني في الخطوط الأمامية في منطقة "حريب نهم" المحررة حديثاً من الحوثيين، في الطريق إلى صنعاء من ناحية الشرق، ولم يكن أمراً بسيطاً تمكن قوات الشرعية اليمنية من بلوغ أعالي جبال "طيبان" في صعدة مركز الثقل للجماعة الحوثية. منطقة جبلية واسعة ترتفع أحياناً بزاوية شبه قائمة مع غطاء نباتي كثيف، تمكنت قوات الشرعية اليمنية من التقدم وتحرير كل السلسلة الجبلية وتفرض طوقاً على مديرية "حيدان" المدخل إلى عمق صعدة، وتبدأ تدمير الكهوف الجبلية الحصينة التي يدير منها الحوثي معاركه نيابة عن نظام الولي الفقيه!
ويضغط الجيش اليمني من الشمال والشمال الغربي والغرب، من محاور "باقم" و"رازح" وهي شبه مطوقة، و"الظاهر" و "حرض" وكلها تُفضي إلى صعدة لسد المنافذ على القيادة الحوثية، ويتسع الضغط من "ميدي" باتجاه حجة، فيما يجري التركيز على جبهة الحديدة لمنع الميليشيات من تعزيز وضعها هناك في مواكبة للجهود الدولية لتنفيذ اتفاق استكهولم الذي يقضي بانسحاب الميليشيات من الحديدة المدينة والمرفأ.
منذ الصدامات في تسعينات القرن الماضي بين السلطة اليمنية والحركة الحوثية، وحتى الحرب الأولى في العام 2004 بين الحوثيين ونظام علي عبدالله صالح، بدأ "الحرس الثوري" الإيراني تجهيز الحركة الحوثية وإعدادها دينياً وعسكريا، واستثمرت طهران مليارات الدولارات في بناء هذه الحركة المسلحة مستلهمة نموذج "الباسيج"، لتشكل جيشاً رديفاً، قراره بيد "الحرس الثوري" والإمرة عليه في طهران، ويتحرك في خدمة الأجندة الإيرانية لاستهداف دول المنطقة وممرات التجارة الدولية. وهنا نفتح مزدوجين للإشارة أنه منذ مجيء الخميني، بدأ ملالي طهران مخطط إقامة "الهلال الشيعي" المستند إلى ميليشيات رديفة للجيوش تابعة لدولة الولي الفقيه، والهدف بسط سيطرة فارسية على المنطقة، والنماذج معروفة في "حزب الله" في لبنان و"الحشد الشعبي" في العراق وما يجري من بناء ميليشيات في سوريا وقد استثمرت طهران ميزانيات فلكية في مشروعها الإمبراطوري!
في كهوف جبال مران التي تقع في مديرية "حيدان" والتي تماثل كهوف "تورا بورا"، أقام زعيم التمرد الحوثي مقر قيادته، وقد جهّز الحرس الثوري تلك الكهوف الجبلية وهي ملاجيء طبيعية فحصنها لتشكل قاعدة عسكرية تتبع الحرس الثوري، ويقيم فيها مئات الخبراء الايرانيين، وتم تجهيزها بمستودعات الأسلحة ومصانع تجميع الصواريخ وصنع المتفجرات.. وهناك تختبيء أبرز القيادات الحوثية التي تنفذ أوامر الحرس الثوري باستهداف المدنيين وبعض مطارات جنوب المملكة السعودية، وهي زمر منسلخة عن الشعب اليمني استسهلت هدر الدماء وفرض المجاعة على الملايين المحاصرين بالنار، لكنها باتت تعرف مدى عجزها عن إدامة سيطرتها. وما التقدم الحثيث لجيش الشرعية اليمنية، المدعوم من قوى التحالف العربي، إلاّ المؤشر على قرب طي أكثر الصفحات دموية ودماراً في تاريخ اليمن، وفتح الطرق أمام اليمنيين المهجرين للعودة إلى بلداتهم ومنازلهم واستكمال استعادة اليمن من حكم الميليشيات التابعة للخارج.
إلى أعالي جبال "طيبان" وصلت قوات الشرعية اليمنية، وتزامن ذلك مع الكشف عن بدء مفاوضات بين الميليشيا الحوثيىة والأميركيين، ورغم ندرة المعطيات، فربما تكون بداية ما من جانب حكام طهران، لتقديم الأثمان تحضيراً لاتفاق، تقول واشنطن أنه ينبغي أن يضمن تغيير السلوك الإيراني ومن أجله تمارس أقصى الضغوط عبر العقوبات الاقتصادية. هذه المفاوضات التي أكدها مساعد وزير الخارجية الأميركي السفير ديفيد شنكر، مع الجماعة التي رفعت لسنوات شعار "الموت لأميركا"، تبدو وكأنها نافذة ديبلوماسية متاحة بين واشنطن وطهران، الأمر الذي ينبغي أن يكون درساً لكل أذرع "الحرس الثوري"، بما في ذلك في لبنان والعراق، أنه عندما تقتضي المصلحة الإيرانية فطهران ستتخلى عن بعض استثماراتها.