أجاد لبنان لعبة شراء الوقت للهروب من استحقاقات محتّمة. ويبدو أن هذه اللعبة ما عادت مجدية بعد الآن. باتت الاستحقاقات داهمة، سياسياً واقتصادياً وحدودياً. لا يمكن للبنان إنعاش نفسه مالياً واقتصادياً. وهو بحاجة إلى معونة دولية ترتبط حتماً بشروط إصلاحية وتفترض قيام لبنان بخطوات سياسية كثيرة، منها ما يتعلق بالسلاح، وترسيم الحدود، وتوفير الأمن في منطقة الترسيم والتنقيب عن النفط. ما يعني حكماً الحديث حول سلاح حزب الله. لكن نزع سلاح الحزب، في هذه المرحلة، ليس مطروحاً كما كان في السابق على سجية بعض اللبنانيين.
معضلة السلاح النوعي
ما هو مطروح دولياً وإسرائيلياً، ليس نزع سلاح حزب الله بالمطلق، بل البحث في الصواريخ الدقيقة وبعض الأسلحة النوعية. هذا بحدّ ذاته تطور لا يمكن إغفاله، خصوصاً إذا استرجعنا كلام أمين عام حزب الله، السيد حسن نصر الله، عن أن الأميركيين يريدون التفاوض مع الحزب، وكلامه الآخر حول تنسيق الحزب مع أجهزة دول أوروبية. ناهيك عن حماسة أوروبية للتنسيق مع الحزب والتفاهم معه على جملة ملفات. لا سيما أن هناك قناعة أوروبية تخلص إلى أن حزب الله قوة بشرية واجتماعية لبنانية عصية على الإلغاء أو التجاوز، هذا قبل الحديث عن قوته العسكرية.
يعلم أصحاب وجهة النظر هذه أن حزب الله وحده القادر على ضمان تنفيذ اتفاقات عديدة، ولا يمكن إبرام أي اتفاقات لها علاقة بمستقبل المنطقة، من دون التوافق مع إيران وحلفائها الموضعيين في كل دولة من دول الشرق الأوسط. لذلك يشتد الضغط في هذه المرحلة، متخذاً أشكالاً متعددة، اقتصادية، مالية، وعسكرية.. إن عبر تنفيذ بعض الضربات في سوريا أو العقوبات. ومكمن الخطورة حالياً، هو تحويل لبنان مجدداً إلى ساحة نزاع على مناطق النفوذ، بمعناه العسكري الاستراتيجي وليس الجغرافي، أي عبر نوعية الأسلحة ومداها التي يمتلكها الحزب، وترفض أميركا وإسرائيل حيازته لها.
عقوبات وضربات
لذلك يركّز الإسرائيليون على الصواريخ الدقيقة، والتي يعتبرون أن الحزب أصبح يمتلك مصانع لتصنيعها، وهذا ممنوع. وتوحي الحملات الإسرائيلية اليومية والمتكررة، أن لا إشكال حول سلاح حزب الله باستثناء هذه النوعية من الأسلحة.
وترتبط الحملات الإسرائيلية الأميركية الضاغطة على لبنان، بملفات عديدة، تفرض على الدولة واللبنانية وحزب الله الاستجابة لشروطها، من دون إغفال القناعة الراسخة أن حزب الله هو الطرف الأقوى والقادر على إبرام التسويات والتفاهمات مع الدول والالتزام بها، على منوال كلام أمينه العام أن قوة الحزب لمنع الحرب وليس لشنها. فهذا يترتب عليه تدبير تفاهمات تثبّت الاستقرار باتفاقات واقعية تلبّي مصالح مختلف الأطراف.
التصعيد الواضح في العقوبات، والتي تصدر يوماً بعد آخر، بالإضافة إلى مؤشرات بحزمة عقوبات جديدة مقبلة على شخصيات لبنانية، يهدف فرض شروط قاسية ما قبل التفاوض. والأكيد أن ما يجري هو مراكمة للملفات تحضيراً لحرب ما، قد تتخذ شكلاً جديداً ومختلفاً، تبدأ بالعقوبات والضغوط على الحزب والدولة اللبنانية معاً، وقد تصل إلى إحتمال ضم لبنان إلى خارطة الضربات التي تنفذها إسرائيل في سوريا (والعراق)، خصوصاً بعد واقعة الضاحية، والتهديدات الإسرائيلية باستهداف مواقع الصواريخ التي يتم الإعلان عنها، كالمصنع المزعوم في النبي شيت.
حزب الله اتخذ التدابير الاحترازية، كإجراء مناقلات لعناصره من بعض المواقع المعروفة، تجنباً لضربات محتملة.
في عين العاصفة
قبل أيام، تلقى لبنان مواقف دولية تطالب بإزالة هذه الصواريخ الدقيقة والبعيدة المدى، والتي يعتبرها الإسرائيلي كاسرة للتوازن. ولذلك هم يرفعون من وتيرة الضغط، الذي يترافق مع الوضع المالي والاقتصادي في لبنان. لقد قالها الرئيس نبيه برّي صراحة: "لبنان في عين العاصفة، وهناك حرب حقيقية تمارس ضده وضد كل اللبنانيين". مجمل الضغوط تشكّل حبالاً متعددة، تلتف حول أعناق اللبنانيين والحزب. فهل ستؤدي تلك الضغوط إلى اتفاق أم إلى مواجهة؟ الإجابة مرهونة بالوجهة التي ستتخذها المنازعة الأميركية الإيرانية.
المحصلة الراهنة: لا يمكن للبنان أن يحصل على أي مساعدات، من دون الوصول إلى اتفاق واضح، وهذا يعني أن لا مؤتمرات دولية، ولا تنقيب عن النفط، من دون تنفيذ لبنان (وحزب الله) ما عليه من شروط والتزامات سياسية وعسكرية وحدودية.
كل المؤشرات تفيد بأن التصعيد مستمر. وبعض التقديرات تفيد أن الإسرائيليين قد يلجأون إلى تعزيز موقعهم بتنفيذ ضربات لبعض المواقع في لبنان بعد الانتخابات الإسرائيلية، طمعاً أيضاً بإجبار اللبنانيين على تقديم التسهيلات أو التنازلات في مفاوضات ترسيم الحدود، التي ستتجدد مع المبعوث الأميركي ديفيد شينكر.