تقدّم رؤساء الحكومات السابقون فؤاد السنيورة، نجيب ميقاتي وتمام سلام في الأشهر القليلة الماضية الصفوف وباشروا حراكاً سياسياً ودأبوا على عقد إجتماعاتٍ هدفها الحفاظ على إتفاق الطائف وتحصين موقع رئاسة الوزراء، وأدى تطوّر هذا الحراك إلى زيارة الرؤساء الثلاثة المملكة العربية السعودية في خطوةٍ حملت رسائلَ لمن يعنيهم الأمر في الداخل والخارج.
تأخر الرئيس سعد الحريري في إستقبال الرؤساء العائدين من المملكة، وعمل على التقليل من أهمية اللقاء، ومنذ ذلك الحين، لم يُسمع للرؤساء الثلاثة صوتٌ، ولم تـُسَجَّل لهم حركة . الأمر الذي يدفعنا للتساؤل أين أصبحت حركتـُهم وأين هم من ما يجري من ممارساتٍ تطال الطائف وتذهب بموقع رئاسة الحكومة أدراج الرياح؟!
الإنتهاكات متواصلة
منذ عودتهم من زيارة السعودية لم تتوقف إنتهاكات الدستور وإزاحة الآليات الدستورية والقانونية، والرؤساء الثلاثة عنها صامتون إلا لماماً، ومن آخر هذه الإنتهاكات:
تطيير آلية التعيين التي كان يجب إعتمادُها في مجلس الوزراء لإختيار أعضاء المجلس الدستوري، وقبول الحريري بتغليب الهيمنة السياسية للتيار الوطني الحر، مع ما حمله هذا القرار من تداعيات سياسية: عدم الوفاء بالتفاهم مع «القوات اللبنانية» حول تعيين مرشحها بسبب إنقلاب الوزير جبران باسيل على موقفه السابق، وأيضاً حرمان طرابلس من الحضور في المجلس الدستوري، الأمر الذي دفع الرئيس ميقاتي والنائب محمد كبارة إلى الإعتراض المرير.. لكن غير المجدي.
التسليم لـ«حزب الله» بقرار السلم والحرب، وتسخير المؤسسات الدستورية والأمنية لتغطية موقف الحزب بعد ما جرى في الضاحية الجنوبية.
لقد تجنّدت المواقع الرئاسية (رئاسة الجمهورية والحكومة) ثم المجلس الأعلى للدفاع والوزراء والنواب، لتبرير الردّ المنتظر من الحزب على العدوّ الإسرائيلي، من دون إشراك الأجهزة الأمنية في التحقيقات المتعلقة بالطائرة «الملقى القبض عليها» لدى الحزب، وبدون صدور رواية رسمية حول كل هذه الأحداث، وعندما ناقش وزراء القوات اللبنانية الرئيس الحريري في مرجعية قرار السلم والحرب قال: «إسمحلوا لي فيها هالمرة».
الإستمرار في تهميش دور رئاسة الحكومة وممارسة حكمٍ رئاسي بالأمر الواقع عبر عقد الإجتماعات الخاصة في القصر الجمهوري، وآخرها الإجتماع المالي في بيت الدين، وهذا ينتقص من جميع النواحي، من سلطة وصلاحيات رئيس الحكومة، بل إن مثل هذه الخطوات تجعل مجلس الوزراء مجلساً شكلياً وتضع السلطة الفعلية بيد رئيس الجمهورية وفريقه وتجعل لرئيس الحكومة واجهة لا أكثر.
الإستئثار بالتعيينات القضائية والإدارية وسط خلل فاضح في التوازنات، وإخراج أهل السنة من الكثير من المواقع، وسط صمتٍ مريب وتواطؤ مكشوف.
إستهداف المناطق السنية بالعدوان وتسخير الأجهزة الأمنية لدفن النفايات في مناطق الشمال، وتحديداً في جبل تربل، وإفتعال مشكلة قطع الكهرباء عن المنية وديرعمار، في ظلّ تخلٍ واضح من الرئيس الحريري وترك هذه المناطق تواجه مصيرها لوحدها.
أسئلة جوهرية: ما الرؤية في وجه التحديات؟
إن إستمرار هذه الممارسات، وتعاظم التحديات المستقبلية أمام أهل السنة في لبنان وأمام أهل الطائف والدستور، يفرض علينا توجيه أسئلة إلى الرؤساء السنيورة وميقاتي وسلام، نعتقد أنها ضرورية ليكون الجميع أمام مسؤولياتهم الراهنة والمستقبلية.
- هل لدى الرؤساء الثلاثة رؤية أو خطة للخروج بأهل السنة من مأزقهم على المستويات: السياسية والإقتصادية والإجتماعية والتربوية والصحية.. سواء من خلال تعزيز حضور الدولة وتوفير الحقوق في التنمية العادلة في مناطقهم، أو من خلال مبادراتٍ داعمة من الجهات المانحة؟!
- هل يدرك الرؤساء الثلاثة حجم الفراغ السياسي الهائل الذي يعيشه أهل السنَّة، وطنياً ومناطقياً، خاصة أن وجود الرؤساء السنيورة وميقاتي وسلام ونشاطهم يكاد ينحصر في بيروت وطرابلس وصيدا، وبدون أن يغطي كامل هذه المدن، ومن دون الفعالية الكافية لوقف التدهور الخطر في طرابلس..
- كيف سيتصدى الرؤساء الثلاثة لحالات الحصار السياسي والأمني والإقتصادي والتنموي التي تعانيها المناطق السنية، وهل سيمتلكون القدرة على تحصيل الحقوق المهدورة، من عكار فطرابلس مروراً بمجدل عنجر وليس إنتهاء ببيروت أو عرسال والإقليم..
- هل يدرك الرؤساء الثلاثة حجم التفسخ في البنية السنية بسبب هذا الفراغ، وهل لديهم تصوّر وإمكانية لملئه وإعادة بناء وترميم الجسم الوطني والديني والمؤسساتي والمدني، ولو بحدوده الدنيا، لأن كلّ هذه الميادين مصابة بالتصدّع وبالتراجع والخذلان والإهمال والتواطؤ، على خلفية الإستهداف التاريخي منذ دخول النظام السوري إلى لبنان، وإستمراره عبر وصاية «حزب الله» وسلاحه وهيمنته السياسية؟!
- هل يدرك الرؤساء الثلاثة أنه بدون الحد الأدنى من القوة السياسية والشعبية، لا يمكنهم تحقيق أي خطوة ناجحة، وأن عليهم الإفادة السريعة من الدرس الذي لقنه وليد جنبلاط لجميع من إستهدفوه، فالمعادلة واضحة: إلتفافٌ شعبي صلبٌ ومتقدّم، ومهارةٌ سياسية في إدارة الصراع، وهذا مفقود في الحالة السنَّية.
- كيف سيتعامل الرؤساء الثلاثة مع إصرار الرئيس الحريري على التموضع في محور رئيس الجمهورية ميشال عون ووزير الخارجية جبران باسيل ورفضه القيام بأيّ جهدٍ للحفاظ على التوازنات المطلوبة لتأمين الحضور السني في المعادلة الوطنية.. بل للحفاظ على موقع رئاسة الحكومة؟
هل سيستمر صمتهم وغيابهم الجماعي عن مقاربة هذه القضية وما يتفرّع عنها من إشكالاتٍ خطرة تهتك التوازن والحقوق التي قام عليها أساساً إتفاق الطائف؟!
المسؤولية المشتركة: ثابتة أم عابرة؟
بصراحة ووضوح:
يتحرّك الرؤساء السنيورة وميقاتي وسلام بخجلٍ وصمت أحياناً لا يتناسب مع التحديات والتطورات المتسارعة، وهذا يستدعي تغييراً في طبيعة حركتهم السياسية، إذا كانوا قد وضعوا أنفسهم في موقع المسؤولية المشتركة وفي موقع الحُماة للطائف ولموقع رئاسة الحكومة..
وهنا السؤال الأهم: هل هم جاهزون لتحمل المسؤولية المشتركة سياسياً ووطنياً.. أم أن لقاءهم محكومٌ بظروفٍ محدودة وبعوامل غير مستقرة ولا مستمرة؟
هل من سبيل للإنقاذ؟
خلاصة هذا النقاش الموجه إلى الرؤساء الثلاثة:
قبل إنتظار الدعم من العرب. من المفترض أن يكون الرؤساء الثلاثة قد أدركوا أن ورقة المال ودورها في تغيير وتنظيم الرأي العام قد سقطت، وأنه لا بُدّ من حركةٍ ومشروعٍ سياسي متماسك يجعل الظهير العربي داعماً لا مموّلاً.
إن هناك واجباً سياسياً ووطنياً عليهم التصدي له، وخاصة لتسليم وظائف الدولة السيادية إلى «حزب الله». فتصرفُ الرئيس الحريري مع وزراء القوات في قضية قرار السلم والحرب لا يجب أن يمرّ بشكلٍ عابر، وخاصة عند من يعتبرون أنفسهم حماة الطائف..فأين موقفهم من هذا التنازل الخطِر؟!
لا يمكن التقدم في الحراك السياسي للرؤساء السنيورة وميقاتي وسلام إلا بتحديد الحلفاء والخصوم، والواضح أن الرئيس عون يقف اليوم على رأس الخصوم السياسيين، بعد إعلانه الإنحياز والعزم على ليّ عنق الدستور وتغييره بكل الوسائل والطرق، وتغطية ممارسات الوزير باسيل، وبالتالي لا يمكن للرؤساء تجاهل كل ما يجري على هذا الصعيد، فالتغاضي عنه إنسيابٌ سياسي خارج السياق الطبيعي للمنطق والمصلحة.
لم يعد هناك مجال لانتظار التغيير في سلوك الرئيس الحريري، فهو قد حسم خياراته وأوضح تموضعه، ويجب التعامل معه على هذا الأساس.
أخيراً، هذه المكاشفة باتت ضرورية أمام تعاظم التحديات وتردّد الرؤساء السابقين للحكومات، فلحظة الحقيقة إقتربت والإمتحان على الأبواب.