عملياً وفي جوجلة سياسية للّجان المتوافرة والأخرى المطروحة والتي هي «قيد الدرس»، ثمّة لجنتان: واحدةٌ لم تُشكل، وهي تلك التي نصّ عليها إتفاق معراب السرّي، فلو تشَكَل فريقها، وفق مصادر القوات، لم يكن الخلاف بين الحزبين المسيحيَّين، «القوات» و«التيار الوطني الحر»، وصل الى حال «اللاعودة»، وهذه اللجنة المفترَضة نصّت عليها المادة الأخيرة في اتفاق معراب والتي تحمل رمز (ز-) وأشارت بـ«وجوب تشكيل فريق عمل من الطرفين لتنسيق خطوات العهد وسياساته تبعاً لنظرة الفريقين سوية»، الأمر الذي لم يحصل.
أمّا لجنة الطوارئ الثانية فهي التي يرعاها «بَي الرعية» أي «بَي» القيادات المسيحية، والتي تشكّلت أخيراً للنظر في الشؤون المسيحية العليا، لكنها تُكملُ إجازاتها وتنتظر من الراعي إشارةً للتحرّك، و«التيّار» جاهز وفق مصادره، وهو الأمر الذي ألمح اليه بعدما خرج رئيسه الوزير جبران باسيل عن صمته خلال زيارته الصرح البطريركي في الديمان بعد حادثة قبرشمون، مؤكداً أنّه على استعداد للإجتماع مع الأقطاب المسيحيّة كافة «برعاية الراعي» لتوحيد الرأي، ولا سيّما في ما يتعلق بالمادّة 95 وهي الرسالة التي وجّهَها الرئيس الى مجلس النواب.
عملياً توقفت الحركة هناك. وبعد خطاب باسيل من «الجبل الشمالي» اشتعلت الجبهات الإعلامية بالتصريحات والتصريحات المضادة فأطاحت فكرة الإجماع والاجتماع، والسؤال اليوم الى أيّ مدى قد تنعكس تلك الخطابات السياسية على القرارات الاستراتيجية للطائفة وحاجاتها وأولوياتها في السلطة؟ وهل بالإمكان تجاوز الخلافات التي سبّبتها تعيينات «تفصيلية» وليست «مفصلية» بين الحزب و«التيار»؟
يرى البعض أنّ «حرب الإلغاء» بين «القوات» و«التيار» عادت، وأنّ الأمل في «الصلحة» ضعيف، لكنّ مصادر «التيار» ترفض هذا التحليل، وتقول إنها ليست في وارد إلغاء «القوات»، وليس هذا هدفها، مذكِّرة باتفاق معراب ومفنِّدَة بعض ما حصلت عليه «القوات اللبنانية» بنتيجته.
لا نيّة بإلغاء القوات
ويتهم أركان «التيار» «القوات» بأنها ما زالت «ترفض الإقرار بالواقع الحقيقي لقدرة باسيل الحقيقية، وهي لا تنفك تردّد أنّ مَن وقّع معها جوهرياً اتفاق معراب هو العماد ميشال عون، وهذا هو لبّ المشكلة الحقيقي، أي رفض القوات قيادة باسيل المسيحية وإصرارها على التمييز بين علاقتها مع التيار واتفاقها مع العهد من خلال الاستخفاف دوماً بمكانة باسيل، متناسيةً كونه رئيس أكبر كتلة نيابية مسيحية، مكتفيةً بالإشادة بحلف القوات مع الرئيس عون».
وعن عودة «حرب الإلغاء» توضح مصادر «التيار» أنّ «إدّعاءات البعض تارةً بعودتها، وطوراً بأنّ زيارة جعجع لبعبدا غيرُ مرحَّب بها، هي مجرد اكاذيب وافتراءات، والدليل أنّ الدعوة وجّهت الى جعجع، كما سواه، وهو بدوره لبّى الدعوة»، وكشفت المصادر أنها عرضت على «القوات» المقعد الأرثوذكسي أو الكاثوليكي في المجلس الدستوري، لكنها «هي التي اصرّت على الماروني، لأنّ جعجع مصرّ على الأخذ وفق شروطه والقول إنّ القوة المارونية الاولى له، فيما تحالفات باسيل هي التي اوصلته الى ما هو عليه اليوم».
وتساءلت المصادر:
1- أين تكون حرب الإلغاء عندما نعتبر القوات شريكة الى جانبنا في العهد وفي خطابنا الاول نشكرها؟ (خطاب باسيل في ساحة البرج)
2- أين تكون عندما يشنّ التيار معركة في حكومة العهد الاولى من اجل تحصيل مقاعد إضافية لها كما لإعطائها نيابة رئاسة الحكومة ووزارات إضافية؟
3- أين حرب الإلغاء عندما يعرض التيار على القوات أن يتشاركا في الانتخابات النيابية بتشكيل لوائح مشتركة فترفض القوات، بل اول خيار تتّخذه هو تعيين مرشح لها في البترون، ثم تبني خطابها الانتخابي على مدى 6 اشهر من الانتخابات بأنّ التيار فاسد، ودعت المسيحيين الى التصويت للوائح القوات متناسية أنّها وقّعت اتفاقية في معراب لم تكن قد «بلغت» بعد الـ 7 اشهر وتضمّنت تعهّد جعجع دعم العهد...
أما الرد على مَن يقول إننا نشنّ حرب إلغاء، تضيف المصادر «أنّ جعجع هو مَن ضرب العهد في أوّله عندما احتُجز الحريري فاستقال، وسارع جعجع للتعليق «كان لازم يعملها من زمان» وكان عمرُ العهد لم يتجاوز السنة»، وتساءلت «مَن يكون المسؤول هنا عن حربِ إلغاءٍ للعهد»؟
ورغم ذلك تضيف المصادر، «تجاوزنا كل هذه المسائل وتحدّيناهم الإتيانَ بدليل يثبت تورّطنا في فساد عمولات باخرة الكهرباء التي أصبحت «قميص عثمان» القوات ، لكنهم لم يجلبوا أيَّ إثبات، بل مجرد تنظير وتدمير لصورتنا.
ومع ذلك تجاوزنا كل شيء وعدَّدْنا لجعجع في 7 آب ما فعله معنا، وقلنا له المصالحة ثابتة ومضمونة، لكن المشكلة أنّ اتفاق معراب الذي تمّ بيننا لا تريد الاعتراف بأنه تمّ مع رئيس تكتل التيار المستقل عن الجنرال عون، وهذه هي مشكلة جعجع الحقيقية معنا، إنه لا يريد التعاطي مع باسيل من الند الى الند، بل يريد القول إنه وقّع اتفاقية رئاسية مع الجنرال وعندما ينتهي عهد عون سيكون هو الرقم (2) فالأزمة الكبرى هي عدم اعتراف جعجع بالندّية مع باسيل».
وتضيف المصادر، و«على رغم من كل شيء، قلنا لجعجع فلنجلس سوياً من الندّ الى الند، وصعد باسيل 6 او 7 مرات الى معراب، وحتى اللحظة لم يقصد جعجع باسيل ولم يزره لا في الخارجية ولا في ميرنا الشالوحي، منبّهة المصادر عينها الى عدم التذرّع بالحجج الأمنية، لأنّ جعجع «يدبك في كل لبنان» وفي كل الفصول والأعراس والمواسم، فأين الخطر الأمني...
وأضافت «زرناه مرات عدة ودعمناه في ازمة وزارة العمل مع الوزير كميل ابو سليمان، وقلنا له في 7 آب إنّ تصرفاته هي التي جمّدت اتفاق معراب، ونحن مستعدون للعودة اليه، ووضع ايدينا بأيدي بعض لتنفيذ كل مندرجات الاتفاق شرط أن توقف حربك علينا، فلا يمكنك طلب تنفيذ اتفاق وأنت في المقابل تعتبرني فاسداً»، متسائلة «هل أبرم جعجع اتفاقاً مع فاسدين؟».
وحذّرت مصادر «التيار» «القوات» بالقول: ليس بمقدور جعجع البقاء في الحكومة وإطلاق النار عليها، أي تربح شعبية المعارضة ومكاسب السلطة وجنّتها، كما لا يمكنك مشاركة الرئيس عون في التعيينات وتسبّب له أزمات، وبنفس الوقت تريد الشراكة.
وأجابت المصادر نفسها بنفسها «جعجع أوضح أمس أنه لم يعد يريد الشراكة»... ونحن نسأل هل تدخل بكركي على خط «الطوارئ»؟