اشار رئيس اللجنة الثقافية في المجلس المذهبي لطائفة الموحِّدين الدروز وأمين عام مؤسسة العرفان التوحيدية سامي أبي المنى الى اننا "نفهمُ عاشوراءَ واجباً إنسانياً ودرساً تربوياً للمسلمين وللبشرية، نفهمُ عاشوراءَ وِقفةَ تذكُّرٍ وتأمُّل، ودعوةً إلى الصلاح والإصلاح، وانتفاضةً على الفسادِ والإفساد وعلى الظلمِ والعدوان؛ بدءاً من الثورةِ على الذات والنفسِ المتراخية المستهترة المنحرفة عن سبيل الحقِّ والفضيلة ومكارم الأخلاق. وكيف لا يبقى الحسينُ ويرقى؟ وهو مَن كان مدرسةً في حياتِه وفي استشهادِه، عاملاً بالكتاب آخذاً بالقسط دائنَاً بالحقِّ وحابسَاً نفسَه على ذاتِ الله، كما كان يطمح أن يكون، وهو ما نوى إلَّا الخيرَ وما جاهدَ إلَّا في سبيل الحقّ، ساعياً وداعياً؛ ساعياً إلى إنقاذ الإسلام وإصلاح الأُمَّة، وداعياً لمواجهة الظلم والتضحية في سبيل إحقاق الحقِّ، رافضاً الظلمَ، مُتيقِّناً بأن يوم المظلوم على الظالم أشدُّ من يوم الظالم على المظلوم، فلولا يقينُه وسعيُه ودعوتُه وصمودُه واستشهادُه لانحرفَ الإسلامُ عن صراطه المستقيم، ولولا رسالةُ كربلاءَ لانطفأت شعلةُ الحرية".
وخلال إحياء رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى الشيخ عبد الأمير قبلان الليلة الرابعة من محرم في قاعة الوحدة الوطنية في مقر المجلس، قال الشيخ ابو المنى "لقد مضى على هذه المناسبة التاريخية أكثرُ من أربعةَ عشر قرنٍ من الزمن، وأصبح الاحتفاء بها مظهراً من مظاهر المودّة والولاء لأهل البيت، ولكنَّ الشعائرَ المستولَدة من الحدث تطوَّرت مع الزمن وأصبحت جزءاً من منظومة فكرية فقهية متكاملة، وهي إذ تأتي ضمن السياق العام لمدرسة أهل البيت وتعاليمهم وتاريخهم، لكنَّها تطرحُ جملةً من التساؤلات حول بعض الممارسات إذا ما قُطعت من سياقها وعن أصولها وجذورها، ولكن لا يصح أبدًا أن تتحول إلى سبب إلى النزاع، لا يرضاه أهل البيت، ولا يصبُّ في صالح المجتمع.في الاحتفاء بالمناسبة تأكيدٌ على أصالة هذه الأمة التي تواجه تحدياتٍ كبيرة في هويَّتها وفي وحدتها.من هنا تأتي مناسبة عاشوراء، وكأنها نوعٌ من التعبئة الروحية والفكرية والعاطفية لاستعادة القيم والمبادئ الإسلامية، ومن تأكيد الولاء للدين وارتباط الأمّة بتاريخها، بعيداً عن بدع التكفير والتشهير والكراهية بين المسلمين أنفسهم وبينهم وبين الناس من حولهم، وبعيداً عن الأشر والبطر والظلم والفساد وكلِّ صفات الانحطاط التي تبرَّأ منها الإمامُ الحسين. وإذا كان الاحتفاء بعاشوراءَ قد برز إلى العلن في عهد أجدادِنا الفاطميين، وخاصة أيام المعز لدين الله، حيث رُفع الإرهاب، وأُطلقت طاقاتُ الشيعة، فإنَّ المواقفَ تتضارب من حالة التوسُّعِ التي طرأت على إقامة تلك الشعائر، فبينما يقول المناهضون بشدّة لفكرة إقامتها "إنَّ الدعوة إلى تلك الطقوس هي تخدير للذهنية الشيعية"، يرى آخرون أنَّها تُمثِّلُ المنظومة القِيَميّة التي تُحدِّد السلوكَ العام للشيعة، وهذا أمرٌ في غاية الأهميّة، فالشعائر أو الطقوس هي أقوى وأشد رسوخاً في حياة الإنسان، وربَّما تكون أشدَّ رسوخاً من العقيدة نفسها، ولا صحة للنظر إليها على أنها فيضٌ من العداوات والثارات التي لا تنتهي، بل هي "وسيلةٌ فعَّالة للدفاع عن الهوية وعن حرية التعبير عنها في وجه الأنظمة الطائفية والمستبدة والحركات الفكرية الأحادية المتطرفة"، ولا ضَيرَ في ذلك".
وراى إنَّ الطقوسَ والشعائر ليست هي جوهرُ الدين، وإنَّما تكاد أن تكون إحدى دعائمِه الاجتماعية والنفسية والعاطفية والوجدانية، وإن كان يُخشى من المبالغة فيها كي لا تُصبحَ هي الدينَ بحدِّ ذاتِه، لكنّ الواجب يقضي بالارتقاء بفرائض الدينِ إلى حقيقتِه والغاية منه، إذ إنَّها وسيلةٌ وليست غاية، كما أنَّ الدين بذاته ليس هو الغاية، بل الغايةُ الإنسانُ، وقد جاء الدين لخدمتِه وخلاصِه. فما قولُكم بالطقوس والشعائر؟ أليست هي وسيلةً، وحسب، لتأكيد الولاء والمحبة والتمسُّك بالتعاليم السامية، والالتزام باتِّباع نهجِ الأنبياء والأئمَّة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكَر ومواجهة الظلم والفساد والانحراف؟ وهذا هو الأهمّ.
وتابع انَّها مسؤوليةٌ مشتركة في حمل رسالة الإسلام الحقيقية التي لم يأتِ بها الرسول (ص) إلَّا رحمةً للعالمين، والتي تؤكِّدُ أنَّ الإسلام دينُ التَّحدي والمواجهة، وحاضنُ الرسالة الإنسانية التي حملها الأنبياءُ والمرسَلون ومعلمو البشرية من قِدَمٍ، بالرغم ممّا تعرَّضوا له من ظلم وتعذيب وطرد وقتل وتشويه، وليس دينَ الخنوع والذلِّ والسكوت أمام الظلم والعدوان، وأنَّ الشعائر والطقوسَ هي إحدى وسائل هذا التّحدي التي يُرجى أن تكون قائمةً في سبيل الله، لا في سبيل سواه، وأن تكون عُقباها رضى الله وغُفرانُه. وتابع حَريٌّ بنا أن نتوقَّفَ أمام ذواتنا لنصدقَها القولَ وأمام أوطانِنا لنصدقَها العمل، فنتوحَّدُ في مواجهةِ مشاكلِ مجتمعِنا ودولتِنا؛ نحاربُ الفسادَ من رأس الهرم إلى قاعدتِه، نفكِّرُ بحاجة الفقراء وعامة الناس قبلَ التفكير بحاجة الميسورين وأهل السلطة، نتحمَّلُ العلاجَ الشافي ولو كان بمبضع الجرَّاح، ونحن نعيش في محيطٍ مشتعلٍ بحرائق العنصريَّة والاغتصاب والقمع والإرهاب وسياسات التفرقة والسيطرة على مقدَّرات الدول والشعوب، وفي وقتٍ تفاقمت فيه الزبائنيةُ والمحاصصةُ والكيديةُ السياسيَّةُ والتركيباتُ العشوائيةُ والمعالجاتُ الآنيَّةُ والطائفيَّةُ السياسيَّةُ وأوصلتِ البلادَ إلى شفير الإفلاس والهاوية الاجتماعية، حَريٌّ بنا الانتفاضُ كما انتفض الإمامُ الحُسينُ، والانتصارُ للحقِّ والمصالحة والوطن اليومَ وفي كلِّ يوم.
اضاف "حَريٌّ بالمؤمنين الاحتفاءُ بدلالات هذه المناسبة العظيمة من بابِ تزكية النَّفس بالتقوى والاستشعار الحميد والوقوف عند عتبات الحمْد والشُّكر برجاء التوفيق والانكباب على الانشغال بالأعمال الصالحاتِ واتّباع نهج الصَّلاح والخيْر في كلِّ شأن اجتماعيّ وكلّ ما يتعلَّق بالحقل العام"، كما يقول سماحة شيخ العقل في رسالته بمناسبة الأوَّل من محرَّم لهذا العام الهجريِّ الجديد، مجدّداً تأكيده على ضرورة الوحدة الإسلامية والوحدة الوطنية بقوله: "إنَّ الوحدة الوطنيَّة اليوم هي أجدى الضَّمانات في وجه كلّ ما يواجه لبنان من تهديدات وأعتاها الاعتداءات الصهيونيَّة وما تكيده لوطننا ولمنطقتنا"، سائلاً اللهَ تعالى "أن يصونَ شعبَنا وبلدنا وأمَّتنا من كلِّ ضيْم، وأن يسدِّدَ الخطى في كلِّ خير، وأن يلهمنا إلى ما فيه الصَّلاح، إنه هو الحليم الكريم السميع المجيب".
وفي الختام تلا السيد نصرات قشاقش السيرة الحسينية، هذا، ويستمر احياء مجالس عاشوراء في مقر المجلس عند الساعة الثامنة والربع مساء حتى اليوم العاشر من محرم.