لا أعرف كم أنفق التحالف العربي من أجل أن يعدّل ذيل جماعات الإصلاح في اليمن. ولكنني أعرف أن أعضاء هذه الجماعات، بمحض طبيعتهم، خونة. وهم، وإن انخرطوا تحت أي لواء، فإنهم يعملون من أجل أجندتهم الخاصة فحسب. انتهازيون جدا. ووفقا لرؤيتهم الخاصة عن “التمكين” فإن كل شيء من المسالك الانتهازية مقبول ومبرر.
لقد فعلوا ذلك مرارا وتكرارا، إلى درجة بلغت حد البداهة في السلوك. حتى أن بوسعهم أن يبرروا مخالفة الشرع مخالفة صريحة، أو قبيحة، طالما أن ذلك يوصلهم إلى تحقيق مكسب. ومن بعده يستغفرون لأنفسهم، ثم يتشددون في عدم الاستغفار للآخرين، ذلك لأن لهم في المغفرة “حقوق سحب خاصة” لا يملكها أحد سواهم.
الدلائل كلها تشير الآن إلى أنهم، بعد أن انكشفت خبائثهم في جنوب اليمن، يخططون للانقلاب على التحالف العربي، وبدلا من أن يواصلوا المعركة ضد الحوثي، التي كان يفترض أن تكون هي معركتهم الأصل، فإنهم يخططون لترك الجبهات، ويفتحوا الطرق أمام الحوثي لتهديد السعودية مباشرة. ويعلنون العزم، صراحة، أنهم يسعون إلى التحالف مع الحوثي، ويتجهون نحو طلب مساندة مباشرة من قطر وتركيا وإيران. ليكون هذا الثلاثي هو التحالف المضاد للتحالف العربي.
هذه ليست افتراضات. إنها مواقف معلنة وتصريحات لمسؤولين وقادة ميدانيين. وهناك سبيل واحد لمواجهة هؤلاء الخونة: حشرهم في جحيم ما يختارون، أو أن يكونوا على خط الجبهة الأول للحوثي.
إن تطهير جنوب اليمن من مسلحي حزب الإخوان كان الخطوة الأولى الأكثر مثالية للمحافظة على ما تمكن التحالف العربي من تحقيقه. كما أن إلحاق المناطق الشمالية المحررة بسلطة الجنوب (ومن ضمنها سلطة الشرعية) وتطهيرها من فلولهم، سوف تكون الخطوة التالية التي تفيد الدلالة على أن المعركة تتواصل من أجل تحرير كل اليمن.
الحرب يمكن أن تستمر، إنما على أرض الخونة، وبعيدا عن الأراضي المحررة التي يتعين أن تعود لتلتفت إلى إعادة بناء حياتها واقتصادها. وكلما اتضح الفارق في مستويات الحياة وطبيعتها في تلك الأراضي، اتضح الجحيم في أرض الخونة. ولتكن تلك الأرض مسؤوليتهم هم، والأمم المتحدة لو شاءت التورط في دفع تكاليفها.
وبدلا من أن يغرق التحالف العربي في حرب استنزاف مفتوحة الجبهات، فإن حربا من أجل إعادة بناء المناطق المحررة ستكون هي مصدر الأمل.
لقد عرفت العلاقات الدولية، ومنها العلاقات بين الشطور المتحاربة من الدول، أمثلة كثيرة على ما يمكن لطرف دون آخر أن يحققه.
لا يعني ذلك السماح بزعزعة التفوق الاستراتيجي للتحالف العربي. وبعبارة أوضح، لا يعني ذلك إخلاء مكان لتحالف آخر يجمع بين الخونة وحلفائهم الإقليميين. هذا خط أحمر. ولكنه يعني الفصل بين استمرار الحرب وتقنينها، وبين معركة البناء.
الحرب يمكن أن تستمر، لضمان أمن دول التحالف العربي، ومن أجل قطع الطرق على تمويل الإرهاب، والمحافظة على ما تحقق، والضرب بيد حديد على كل التراجعات المحتملة. وفي المقابل فإن المناطق المحررة يمكن أن تبدأ معركة البناء، حتى وإن ظلت توفر جهدا من أجل إنجاز باقي فصول المعركة. الجحيم هو المكان الطبيعي للخونة. ويحسن بهم أن يعيشوه وأن ينعموا بمكانتهم فيه.
إن تطهير باقي مناطق الجنوب من أثرهم، مهمة يمكنها أن تعني الكثير في إطار إستراتيجية جديدة، تتخلى عن إمكانية تحقيق نصر سريع.
النصر إذا كان قد تباطأ، فبسبب وجود أولئك الخونة بين الصفوف. وكان هدفهم هو تحويل المعركة من أجل استعادة الشرعية، إلى حرب استنزاف ضد السعودية.
ولكن، عندما يُصبح بالإمكان عزلهم، ودفعهم إلى الجحيم الذي يختارون، فإن خطوط المعركة سوف تصبح أشد وضوحا. كما أن جانبها الآخر التنموي، سوف يقدم الدليل على الانتقال إلى معركة “إعادة الأمل”. الجنوب وبعض مناطق الشمال يمكنهما أن يهنآ بما أنجزا. وليبق الجحيم لأهله، يأكل من حطبهم ما يأكل، ويسأل هل من مزيد؟
حرب الاستنزاف، ساعتها، سوف تنقلب على رؤوسهم، كما ينقلب السحر على الساحر.